فور الإعلان عن إحباط العملية في مقهى الكوستا في الحمرا، انطلقت حملات للتشكيك و«التبخيس» بالعملية النوعية. عزّزت ذلك جملة تساؤلات بقيت من دون أجوبة.
وقالت صحيفة "الأخبار" إن استخبارات الجيش أوقفت انتحاريَّين اثنين خلال ٢٤ ساعة، كلاهما اعترف بطبيعة المهمة الموكلة إليه، إلاّ أن الانتحاري عمر العاصي كان أكثر شهرة من زميله، كونه أوقِف في أحد أشهر شوارع العاصمة، مزنّراً بحزام ناسف، وكان توقيفه علنياً. وأضاف كاتب المقال الزميل رضوان مرتضى أن الرواية التي حصلت عليها "الأخبار" تجيب عن جزء كبير من الأسئلة التي طُرِحت حول ما جرى ليل السبت في شارع الحمرا، لاسيما التساؤلات عن سبب حمل الانتحاري بطاقة هويته معه.
ويلفت كاتب المقال إلى أنها ليست المرة الأولى التي تُضبط فيها بطاقة هوية مع انتحاري، صحيح أنّ بعضها قد يكون مزوّراً أحياناً، إلا أنّ بعضهم عُثر على بطاقة هويته الحقيقية في موضع التفجير أو في آخر مكان انتقلوا إليه، ومنهم انتحاريا السفارة الإيرانية معين أبو ظهر وعدنان المحمد، وهما من جماعة الشيخ أحمد الأسير أيضاً، وكانت في حوزتهما بطاقتا هوية. والسبب بسيط، إذ إنّ المشتبه فيه يحتاج الى الهوية للتنقّل للحؤول دون توقيفه على الحواجز الأمنية قبل أن يصل إلى هدفه.
أمام كل ما تقدّم، يقول مرتضى، كاد يضيع جهد «الاستشهاديين» الذين حملوا دمهم على أكفّهم وأوقفوا انتحارياً يحمل حزاماً ناسفاً كان يمكن أن يمزّقهم إلى أشلاء في أي لحظة. هل سأل أحدٌ من هؤلاء نفسه عمن يجرؤ على الاقتراب من رجلٍ يحمل حزاماً ناسفاً ومستعد لسحب حلقة التفجير في أي لحظة يشعر فيها بالخطر؟ هل كان يُفترض أن تقع الواقعة أو يسقط عناصر استخبارات الجيش وروّاد المقهى شهداء حتى تؤدى التحيّة لهم؟
ماذا حصل ليلة السبت فعلاً؟ ما قصّة الاتصال الذي أوقع بالانتحاري؟
لم يكن السبت يوماً عادياً. كانت الأجهزة الأمنية تترقّب عملاً انتحارياً، بعد انذارٍ تلقته يُفيد عن احتمال تنفيذ خلايا متشددة مرتبطة بتنظيم «داعش» تفجيرات ضد أهداف مدنية. لم يكن الهدف محدّداً أو واضحاً. الخشية كانت عامة، إلا أن «بيكار» الاستهداف حُصِر بثلاث مناطق: وسط المدينة، الجميزة والحمرا، ولا سيما أنّ استخبارات الجيش كانت قد أوقفت نهار الجمعة الشاب بلال ش. في وادي خالد، الذي اعترف بأنّه كان ينوي تنفيذ عملية انتحارية ضد أهداف في لبنان. الموقوف الذي قضى سنتين في سجن رومية المركزي لارتباطه بـ«الأمير العسكري» لـ«النصرة» في الشمال أسامة منصور، أبلغ المحققين أنّه بايع لاحقاً تنظيم «الدولة الإسلامية» في الرقة، وأنّه تواصل مع قيادي في الرقة يبلغه بنيته تنفيذ عملية انتحارية في سوريا، غير أنّ الأخير أشار عليه بتنفيذها في لبنان، وتحديداً في العاصمة بيروت. وطلب إليه الانتظار لتحديد الهدف وتسليمه حزاماً ناسفاً. وهكذا كان، غير أنّ استخبارات الجيش تمكنت من توقيفه قبل تنفيذ العملية وضبطت متفجرات لديه. توقيف بلال ش. لم يرفع الخطر. كان التهديد لا يزال قائماً.
ترافق ذلك مع «رأس خيط» كانت تتابعه استخبارات الجيش يتعلّق بانتحاري محتمل قد يتحرّك لتنفيذ عمليته في بيروت. أصل المعلومة حصلت عليه استخبارات الجيش من فرع المعلومات. جرت مقاطعة المعلومات والتنسيق في هذا الخصوص. الرصد التقني كان دليل المحققين. كان ضباط الاستخبارات قد حصلوا على رقم هاتف الانتحاري المفترض، لكنّ هويته كانت لا تزال مجهولة. جرى تعقّبه تقنياً منذ بداية النهار، لكن لم يكن هناك إمكانية لتوقيفه في المرحلة الأولى. فقد كان المشتبه فيه يختفي بإطفاء هاتفه من حين إلى آخر، ما يُضيِّع أثره. لكن عناصر مجموعة القوة الخاصة في فوج المكافحة في مديرية استخبارات الجيش قرروا نصب أكثر من كمين، أحدها كان في منطقة الكولا، فيما الآخر في مقهى الكوستا في الحمرا. انتظره عناصر القوّة الخاصة في المقهى، علماً بأنّ هذه المجموعات تلقت تدريبات على توقيف الانتحاريين. ولدى دخول الانتحاري إلى المقهى، لم يتعرّف إليه أفراد المجموعة. مكث لدقائق، كان فيها مربكاً قبل أن يخرج ليجري اتصالاً. أجرى اتصالين، فكان ذلك كفيلاً بكشفه. إذ تمكن فريق الرصد التقني من تحديد الهدف فور استعماله هاتفه. أُبلغت المجموعة الكامنة في الداخل ليُحدّد الهدف بـ«علامة فارقة». وبعدما حاول الدخول مجدداً، تم الإطباق عليه. أوقف بطريقة مباغتة من قبل أفراد المجموعة الذين حرصوا على تثبيت يديه لمنعه من تفجير نفسه، فيما تولّى اثنان منهم ضربه على رأسه لإفقاده وعيه.