هند الملاح
منذ رفع تمثال مار شربل على قمة جبل الصليب في فاريّا، بات هذا التمثال الشغل الشاغل لرواد مواقع التواصل الاجتماعي. فبين من غرد مرحّبًا بالفكرة، ومن اعتبر ان في الامر مبالغة، وان هذا التمثال سيتحول الى معلم سياحي، خرج آخرون طالبين الكف عن تجاذب النقاش حول التمثال تحت شعار احترام حريات الآخرين.
ظاهرة التماثيل قديمة جدًا، رافقت الانسان منذ القدم، واختلفت رمزيتها باختلاف الحضارة والحقبة التاريخية، واليوم ما زالت حاضرة في مجتمعاتنا كرموز دينية وسياسية.
وفي جولة سريعة حول التغيرات والتحولات التي طرأت على رمزية التماثيل لدى الشعوب، يشير الكاتب والصحافي وسام سعادة لموقع "الجديد" الى انه منذ بدء تكوين البشرية، لم تغب التماثيل عن ثقافات شعوبها بشكل عام، منذ العصر الوثني حتى يومنا هذا، إلا انه في كل عصر كان لهذه التماثيل اهمية مختلفة عن العصور الاخرى.
ففي العصور القديمة كانت التماثيل اساسية بشكل تام في المعابد من جهة، وفي حياة المدينة القديمة من جهة اخرى، إذ كانت تشكل معلما اساسيا ونقطة ارتكاز في حياة المجتمعات القديمة، كما كانت ترمز الى تمجيد امور معينة. وهكذا تحوّلت التماثيل الى رموز اساسية في هوية هذه المجموعات.
ويلفت سعادة الى ان التماثيل التي شكّلت جزءا اساسيا في العصر الوثني وكانت ترمز الى التدين، اخذت بعدا اخر بعد ذلك العصر فبقيت موجودة. اذ "اعتبرت الديانة المسيحية ان الصور والتماثيل من الممكن ان تشكل نقطة وصل بين الناس والقداسة والالوهة، فظهرت حركة تؤمن بأن هذه التماثيل تتجسد فيها القداسة وممكن ان تكون تماثيل عجائبية". هذا الامر اختلف في الديانتين الاسلامية واليهودية حيث "كان هناك موقف اكثر تشددا حيال موضوع التماثيل والتصوير بشكل عام، وموقف من قصة الشرك. اي انه لا امكانية لان يكون هناك وسيط مع الله، كصورة او تمثال ".
ومع نشوء مجتمعات علمانية بقيت التماثيل حاضرة، ويرجع سعادة السبب الى أن "الامم الحديثة رأت أن التماثيل مسألة اساسية في بلادها، وممكن ان تكون تجسيدية لشخصيات تعتبر مهمة لها كتماثيل أتاتورك في تركيا". كما أن التماثيل لم تغب عن المجتمعات العربية التي رفعتها تمجيدًا لحكامها وقادتها، وحطمتها احتجاجًا بعد "الربيع العربي".
"على قدر الايمان بالغيبيات والماورائيات، على قدر ما يحتاج البشر إلى محسوس يشكّل وسيطًا بين العالم الواقعي والعالم الغيبي" يختم سعادة مبررا سبب تمسك الشعوب بتماثيلها.