أنْ يرحلَ طلال سِلمان.. فقد نكّسَ القلمُ العلم/ اللاعبُ في الحبر وصانعُ الخبر.. اليوم هو الخبر/./ انطفأَ "نَسَمَة" الذي لم يعرف لهُ مهنةً إلا الحب/ وملاكُ الموت سيقرأُ الانَ من صفحاتِ أبو أحمد ويتخذُهُ صديقا ًمن ورق/ لم يسقط علينا خبرُ رحيلِه بالمِظلة/ نحنُ الذينَ افتتحنا صباحاتِنا على شغفِ الانتظار/ وعلى سبكِ المباني والمعاني/ واستعاراتِ أمهات الكلام من بطونِ اللغة/ وعلى مجازاتِ التعابير وإصابتِنا في مقتلِ يومياتِنا وتكرارِ أزماتِنا/ وفي الضربِ على وترِ قضايانا الكبرى// صوتُ الذينَ لا صوتَ لهم, سفيرُ الصِحافةِ اللبنانية والعربية/ أقفلَ بابَ الروح على روحِه/ ومذ تقاعدَ حبُرهُ/ غلّفَ نفسَهُ بالنسيان/ وجلسَ يراقبُ المشهدَ عن بُعِد/./ لكنّنا ونحنُ الذينَ تتلمذنا على حروفِهِ وجملِهِ/ تلزمُنا ذاكرةٌ أخرى كي نستوعبَ رحيلَ قامةِ الإعلامِ المكتوب/ على ناصيةِ قضيةِ فلسطين/ ووحدةٍ عربيّة بدّدها كابوسُ انقسامِ الساحات/ وحلُمِ حركةِ القوميينَ العرب حينَ نعاهُ طلال سلمان وكتبَ ممازحاً: "في وداعِ الفضوليينَ العرب"/./ رحلَ طلال سلمان بجسدٍ متعب/ وتركَ خلفَهُ مناديلَ من ورق/ وأرشيفاً من كلمات/ وسيرةَ عملاقٍ على رؤوسِ أشهادِ القلم/ هو الذي انحدرَ من بقاعِ الخارطة واستقرَ في قلبِ العاصمة/ متسلحاً بقلم وبضعةِ قروش/ ومن شغفِ اللغة/ تدرجَ على سُلَّمِ الصحافة/ إلى أن امتلكَ المدققُ اللغوي جريدتَهُ الخاصة فكانتِ السفير/ منبراً للحرية وقضايا الأمة/ ومدرسة تخرّجَ منها كبارُ الأقلام/ وصفحاتٍ طُبِعَت عناوينُها بمآسي كلِّ المراحل/ وضمّت أسماءَ لامعةً في الفكرِ والأدب/ وفتحت ديارهَا لكلِّ الاتجاهاتِ الفكرية والسياسية: حليفةً كانت أم خصمة/ وهي البصمةُ التي لا تُقلَد والتي كرّسَها طلال سلمان طيلةَ عمرِ السفير/ نجا طلال سلمان من محاولةِ اغتيال/ لكنّهُ واجهَ القاتل/ بقلمٍ من رصاص/ وحدّدَ مواصفاتِه ولم يجعلهُ مجهولَ باقي الهوية، كاسراً من حولِه هيبةَ الفخامة, ومنذُ لحظةِ اندلاعِ الحربِ الأهلية في لبنان/ حملَت السفير اسم "المقاتلة" تيمناً بناشرِها/./ على الطريق "الى طلال" بنُيت جمهوريةُ السفير التي فيها عاشت قضيةٌ برمزيةِ فلسطين وقهرِ لبنان/ هو الذي اعتقلتهُ السلطاتُ اللبنانية بتهمةِ نُصرةِ الثورةِ الجزائرية/ وهو الذي عنونَ على اتفاقيةِ كامب ديفيد "الساقطُ عند المغتصِب"/ وهو الذي أُقفِلت جريدتهُ بقرارٍ سياسيٍ كيدي، فاستعارَ "بيروت المساء" وكتب السفير بالحرف الصغير مع دمغةِ الحمامة/ وسلمان هو الذي استقبلَ غسان كنَفاني العائد إلى حيفا في مكاتب السفير/ وفرشَ الظلَ العالي على درويشَ فلسطين/ وحوّلَ الجريدة إلى مسقطِ رأس القضايا العربية ونُصرتِها/ وفي مكاتبها تجولّ حنظلة فرفعَ ناجي العلي مفاتيحَ البيوت قبل ان يُغتالَ في لندن.. فكيف لهذا التاريخ أن يمحوه موت/./ مرغماً/ أقدم طلال سلمان على سحب ِأوراقِ اعتمادِ السفير من بين أيدي القراء/ بعد اثنين وأربعين عاماً/ من سبكِ الروحِ على الورق/ وحانت لحظةُ النهاية/ ولا بد للرحلةِ من نهايةٍ / كما قال/./ واليوم وَضعت تلك الرحلةُ خاتمتَها/ وكتبت آخرَ فصولِها/./ وكما اسس سلمان جريدةً غمرت قضايا الناس فقد سحبَ اوراقَها في بداية العام الفين وسبعة عشر متأثراً بازمةٍ اقتصادية سوف تدمر بلداً بناه بحبرِ العين/ رحيلُ طلال سلمان هو الخبر/ وفي الحقيقة أن مبتدأَه سيبقى حياً في ذاكرةِ من عايشوه/ وواكبوه/ وكبروا على نواصي حروفِه /./ لم يرحلْ طلال سلمان بل كما قال طلال حيدر:" فتح عتمة خيالو وفات"/./