سقى الله غزة مطرا/ وجعل الله من الماء كل غزاوي حيا/ فالقطاع الذي ارتوى بالدم غسل اليوم أرضه وروحه بمياه شتاء تشريني/ وبعد صلاة الاستسقاء على أياد ارتفعت نحو السماء/ كانت صلاة الغائب على أرواح أكثر من مئة وسبعين شهيدا/ ترفع فوق ساحة مستشفى الشفاء حيث تحولت باحته الخارجية إلى أكبر مقبرة جماعية تضم جثامين تحللت في العراء/ أكرم الشفاء الشهداء بدفنهم/ وأجرى عملية نقل آمن لعشرات الأطفال الخدج من حاضناتهم بفعل انقطاع الكهرباء وانعدام الأوكسجين إلى أقسام أخرى من المستشفى/ وسط مناشدات من أن يؤدي استمرار الحال إلى فقد باقي الأطفال رغم المحاولات الحثيثة لإبقائهم على قيد الحياة/ صراخ الأطفال وهم يتمسكون بحبل الحياة شكل صفعة للضمير الإنساني/ ومع ذلك لم يفتح ثغرة في جدار الحصار المفروض على الدواء والغذاء والوقود لأهل القطاع/ لا بل صار العالم المتخفي وراء حقوق الإنسان شريكا في تضييق الخناق// وإذا كان لغزة سماء مرفوعة على أعمدة الرجاء/ فلها في الميدان رجال يخوضون الموت لأجلها/ بكل ما أوتيت أيمانهم من إيمان بقوة السلاح/ ومن الاشتباك مع العدو من المسافة صفر/ وتحويل آلياته إلى مقابر متنقلة/ والإمساك بقوة الإسناد الصاروخي وإرسال دفعاتها إلى قلب الكيان الإسرائيلي وأطرافه// وأمام إنجازات الميدان/ لم يجد جيش الاحتلال سوى الدعاية الكاذبة/ وفبركة الأفلام عن غرف سرية للمقاومة تحت المستشفيات/ وظهر هذا التزييف في فيديو مثير للشفقة نشره جيش الاحتلال فأتضح أن تاريخه يعود الى شهر آب الماضي.. فأضاف السخرية مادة جديدة إلى وصمة العار التي علمت على جسده في السابع من أكتوبر/./ وإنجازات الميدان وجدت لها قنوات تصريف سياسية إن كان في الأزمة المتصاعدة داخل حكومة الحرب الإسرائيلية/ أم في أروقة البيت الأبيض/ حيث برز الجناح المعارض داخل السلك الدبلوماسي/ ما دفع بوزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى الاعتراف بوجود خلافات داخل وزارته حول نهج إدارة الرئيس جو بايدن تجاه الحرب على غزة/ وجاء اعتراف بلينكن وسط غضب ومعارضة متزايدة/ ليس فقط من الموظفين في وزارة الخارجية ولكن داخل إدارة بايدن الأوسع/ حيث أن مئات الموظفين في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وقعوا رسالة مفتوحة تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة/./ ومفعول الميدان انسحب على الإليزيه/ حيث نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية أن عددا من السفراء الفرنسيين في الشرق الأوسط وجهوا رسالة تعبر عن أسفهم لانحياز الرئيس إيمانويل ماكرون لإسرائيل/ واعتبرت الصحيفة أن مذكرة السفراء الفرنسيين هذه تعد بمثابة تمرد دبلوماسي/ وخطوة غير مسبوقة في تاريخ فرنسا الدبلوماسي الحديث مع العالم العربي// وإلى التمرد الدبلوماسي/ تلقى انحياز ماكرون لإسرائيل صفعة حقوقية من أرفع المحامين الفرنسيين وعلى رأسهم المحامي الشهير Gilles Devers الذي قاد فصيلا يضم المئات/ وقال للفلسطينيين: لم يكن لديكم من يدافع عنكم لكن أصبح لديكم الآن جيش يدافع عنكم في المحاكم الدولية والوطنية/./ ما كان هيكل الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ليتصدع/ لولا هدير الشارع شوارع خرجت بمئات الآلاف في تظاهرات عمت العواصم وولايات أميركية/ فكانت الرادع والضاغط لتحويل الأنظار من الدعم المطلق لإسرائيل إلى رفع القضية الفلسطينية نحو المقام الأول/ وكلمة الشارع لجمت التقدم الأميركي والغربي وجعلته يقف عند الإشارة الصفراء في الحرب الهمجية التي تخاض ضد قطاع غزة// وإذا كانت الجبهة الجنوبية قد وقفت عند الإشارة الحمراء في مثلث قواعد الاشتباك وخرائطه الجديدة التي يفرضها الميدان/ فإن الحشد الوزاري لم ينظم صفوفه لعقد جلسة في السرايا/ وطارت الجلسة لعدم اكتمال النصاب/ بعدما غرق بعض الوزراء في شتوة تشرين/ ولم تسعفهم خطة الطوارىء لمواجهة الحرب.. من الغرق بشبر ماء/./