كادت جلَساتُ مناقشةِ الموازنةِ المباشَرة تكونُ مَلهاةَ اللبنانيينَ بعدَ دراما الحشْرِ التي عايشوها بالأمس لكنّ الدماءَ على "زقاق البلاط" حوّلتِ الحدَثَ إلى مأساة بطلُها مراهقٌ امتَشقَ سلاحَ صيدٍ وأجهزَ على والدِه ومَن ظَهر في مرمى النار هي جريمةٌ كاملةُ الأوصاف لجانٍ قد يكونُ الضحيةَ في آن إذ ما الذي يدفعُ ابنَ الرابعةَ عشْرةَ لينفّذ تلك الجريمةَ على الطريقةِ الهوليوودية؟ وفي ذاك الحيِّ الشعبيِّ الهاديء؟ حيث تعدّدتِ الرواياتُ لخاتمةٍ واحدةٍ كانَ الجميعُ فيها ضحية . على مرمى ساحةٍ مِن الزّقاق كانَ نوابُ الأمةِ يتوافدونَ واحداً تلوَ آخرَ للتهنئةِ بولادةِ موازنةٍ بعد أحدَ عَشَرَ عاماً عِجاف واحدَ عشَرَ مِليارَ دولارٍ ذهبَت معَ الريح وفي جلسةِ مناقشتِها النهارية قدّم رئيسُ لَجنة المالِ والموازنة إبراهيم كَنعان جردةَ قَطعٍ للاعتماداتِ المحشورةِ حَشراً في الموازنة لإداراتٍ عاطلةٍ مِنَ العمل كالسككِ الحديد والنقلِ المشترك المرصودِ لها عشَرةُ ملياراتِ ليرة على سبيلِ المثال لا الحصر فنّدت لجنة المال موازنةَ الحكومةِ قِرشاً قرشاً وأدّت قِسطَها في عصرِ النَّفَقاتِ وترشيدِ أوجهِ الإنفاق عن طريقِ تحديدِ مواطِنِ المبالغةِ في لحظِ الاعتمادات وأصدرت توصياتِها إلى الحكومة وما كان على كَنعان إلا البلاغ فهل مَن يَسمعُ مزاميرَك يا إبراهيم؟ وهل مِن ناصرٍ يَنصُرُك في خفضِ العجز وقفِ الهدرِ في دولةٍ إبراؤُها بات مستحيلاً وممسكو مفاصلِها السياسية يغطّونَ سماواتِ فسادِهم بقبَواتِ مناصبِهم وعلى ميقاتِ المناصب هنأ النجيبُ النبيهَ بطولِ العُمرِ والاستمراريةِ لمناسبةِ مرورِ خمسةٍ وعِشرينَ عاماً على تبوّءِ بري رئاسةَ المجلس وبظهرِها تمديداتٌ ثلاث والخير لقدام جلسةُ مناقشةِ الموازنة مِن دونِ قَطعِ حساب تحوّلت إلى تصفيةِ حساباتٍ سياسية نُبش فيها التاريخُ وقبورُه واستُحضرت فيها روح " أوعا خيك" من خلفِ المتاريسِ المرتفعةِ بينَ الحَليفينِ اللدودين وانبرى النائب أنطوان زهرا ليدافعَ عن الشراكة ليس مِن باب "قم لأجلس مكانك" بل من بابِ المساواةِ في الحقِّ الوطنيّ وفي الإنماءِ المتوازنِ على قاعدة الوزير ليس سيدَ وزارتِه إنما هو الأمينُ على المالِ العام لا لاستعمالِ المالِ لشراءِ ذِممِ الناسِ على مشارفِ الانتخاباتِ النيابية وأبعدُ مِن ذلك تساءلَ زهرا عن كيفيةِ تأمينِ جبايةِ الوارداتِ الجُمركية إذا كانت الحدودُ "فلتانة" آمِلاً ألا يكونَ الصغارُ كَبْشَ مَحرقةٍ للرؤوسِ الكبار
قدّم أنطوان زهرا خُطبةَ نهايةِ الخدمةِ على أكملِ وجهٍ وطنيّ .. واختَتمَ سيرتَه النيابيةَ بكلامٍ أقفلَ على لغةِ المعابرِ وفَتَح على وطنِ الشراكةِ المدفون .