سلاحُ السلطةِ فَتَنَ عليها.. فنهارُ التظاهرِ الواحد نفّذ انقلاباً على ليل ٍأسودَ ظَهَرت فيه ميليشا العصا الغليظةِ وهدّدت بخَطفِ بلدٍ لسحبِ روحِ ثورة ليلُهم لا يُشبهُ بياضَ الأيام .. ولا نساءَ خطوطِ السلامِ اللواتي هدَمْنَ اليومَ نُذرَ حربٍ هبّت من محاورِ بُغض. فعلى توقيتٍ واحدٍ فاعت أحزابٌ بثوبِ مناصرين أُوكلت إليها مُهماتُ التوتير كلٌّ بحَسَبِ خِبرتِه ومَفتولِ عضَلاتِه فكانت ساعاتٌ برائحةِ بارود.. التسمياتُ لم تعد ذاتَ شأنٍ ما دام الفاعلونَ يظهرونَ معلنينَ الفخرَ بأعمالِ السّوء .. ولم يقصّرْ بعضُهم في أيِّ واجب .. من ضربِ الخِيم واقتحامِها في صور وبَعلبك مرورًا بإشعالِ خطِّ الجميزات في طرابلس وغَضبِ الفيديو القديمِ في الشَّياح- عين الرمانة وحادثِ التحكّمِ المررويِّ في بكفيا. لكنَّ الفَوضى كشفَت عن فاعليها بعدَ تخبّطٍ في توزيعِ المُهماتِ وفجأةً تقمّصَ التيارُ دورَ حِزبِ الله وتوغّلَ إلى بكفيا فيما ردّتِ الكتائبُ الهجومَ بإلقاءِ حجارةٍ على مواكبَ سيّارة .. أما حزبُ الله فصارَ حركةَ أمل ومعاً كانا ثنائيًا شيعيًا يدافعُ عن شريطٍ مصوّرٍ قديمِ المنشأِ في مواجهةِ مناصرينَ للقواتَ ظَهَرَ أنّهم "لا ينعسون" وحاضرونَ في عينِ الرمانة " بقلوب مليانة". لكنّ كلَّ شريطِ الأحزابِ هزمتْه مسيرةُ أمّهات.. كُنّ أجملَ الأُمهات .. نَثرَت عينُ الرمانة الأَرزّ فزرعَ الشّياحُ الوردَ الأبيضَ على الأَكفّ.. وصَرَخت طرابلسُ تضامناً بمَسيرةٍ مُماثلةٍ فتردّدت أصداؤُها في حناجرِ كلِّ أُمهاتِ لبنان ..أُمهات خِفْنَ على الغدِ وعلى أجيالٍ ليسَت مستعدةً لتَكرارِ تَجرِبةِ الحرب , نساؤُنا اليومَ كُنَّ رسالةً الى كلِّ عابرِ طريق , والى كلِّ سلطةٍ وكلِّ حِزبٍ وتيارٍ ومناصرينَ أرادوا إسداءَ خدمةِ التفلّتِ وسحبِ الشارعِ الى حيثُ الخراب. كانت مسيراتُ اليومِ وقبلَها تظاهراتُ الأربعينَ نهاراً مثالاً لشعبٍ حيٍّ بشعاراتٍ في قِمةِ الرُّقيّ, حيثُ لم يُسجّلْ أيُّ خرقٍ إلا عندما قرّرتِ الأحزابُ اللعِبَ بالشارع واستحضارَ ذكرى حربٍ سوف " تنذكر في كل مرة ولن تنعاد " وهدفُ هؤلاءِ لا يتعدّى التوافقَ على حكومةٍ يجري تهريبُها في غُربةٍ عن ناسِها المطالبينَ بطَبقٍ سياسيٍّ نظيف. فمِن عين الرمانة والشَّياح الى طرابلس كانت مسيراتٌ أهلية بمحلية رفضاً للحربِ الأهلية ولفتنةٍ كاد مريدوها يفتعلونها ضدَّ انتفاضة المحرومين في كل لبنان والذين خرجوا منذ شهر ونصف إلى الساحات والشوارع والطرقات من أقصى الشَّمالِ إلى أقصى الجَنوب ضِدَّ الفَقرِ والجوع ضِدَّ القنابلِ الموقوتةِ في أمعائِهم على شكلِ دواءٍ مزوّر ضِدَّ فسادِ زعماءَ شيّدوا ثرواتِهم وقصورَهم على عرقِ جباهِ شعبٍ خرجَ يطلبُ الإصلاحَ في أمةِ الفسادِ السياسيّ ضِدَّ مَن كانت الغَزَواتُ مِن أيِّ جهةٍ أتت ؟ ضِدَّ شعاراتٍ أرساها مؤسّسُ حركة ِالمحرومين الإمامُ المغيّبُ موسى الصدر الذي قال يوماً رسالتي الدفاعُ عن الإنسانِ المحرومِ المعذّب والذي قال لن نصبحَ هياكلَ مجفّفةً في معبدِ هذا المجتمعِ الفئويِّ ولا جُزءاً من زينةِ نادي الحكام والإمامُ المغيب قرأ في غيبِ السياسةِ حينَ قال أنتم أيها السياسيون آفةُ لبنانَ وبلاؤُه وانحرافُه ومرضُه وكلُّ مصيبة إنكم الأزْمةُ ارحلوا عن لبنان وهو الذي قالَ احفَظوا وطنَكم قبل َأن تجدوهُ في مزابلِ التاريخ . لكنّ الوطنَ ولّادُ ثورةٍ انطلقت مِن رَحِمِ الحِرمانِ ومِن إرثٍ محميٍّ مِن سلالةٍ معتدلة إذ أعادَ المرجِعُ السيد علي فضل الله تصويبَ المسارِ حمايةً للمصير بقولِه عندما ننطلقُ من عنُوانِ مذهبِنا مصدرِ عِزتِنا علينا أن نكونَ على قدْرِ العُنوان ونعيشَ معانيَ التواضعِ والخشوع ِوالامانةِ والتعهّدِ للجيرانِ وكَفِّ الألسنِ حتى عن من يَشتُمُنا و ليس من شيعتِنا مَن قال بلسانِه وخالفَنا بأعمالِه.