"النهار": أميركا وإيران من الإتّفاق النووي الدائم... إلى إتّفاق مؤقّت؟

2021-11-25 | 06:26
"النهار": أميركا وإيران من الإتّفاق النووي الدائم... إلى إتّفاق مؤقّت؟
بدأت تُطرح في الولايات المتحدة تساؤلات عن قدرة الرئيس بايدن على تحقيق إنجازات مهمّة في السياسة الخارجية، برغم نجاحه وإن جزئياً على الأقلّ حتى الآن، في إصدار قانون تجديد البنى التحتية في بلاده في مجلسي الكونغرس أخيراً، واستمراره في العمل مع ممثلي حزبه الديموقراطي في مجلسي النواب والشيوخ كما مع ممثلي الحزب الجمهوري فيهما، من أجل إصدار قانون آخر يفيد غالبية الأميركيين. المبلغ المطلوب لتنفيذ القانونين يتجاوز 3 تريليونات دولار. الدافع الى التساؤلات هو في الحقيقة السياسة الخارجية لبايدن، وهذا ما يؤكّده متابعون أميركيون ومن قرب لتحرّكاته ومواقفه. وهو تحديداً التناقض في مواقف إدارته من بعض القضايا. فهو مثلاً لم يلتقِ حتى الآن وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بسبب "مسؤوليته" عن قتل ابن بلاده الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، فيما يلتقي، عبر عاملين في إدارته يومياً أحياناً وإن بشكل غير مباشر، ممثلين للجمهورية الإسلامية الإيرانية ولا سيما في فيينا، من أجل إحياء الاتفاق النووي الموقّع معها عام 2015. علماً بأنها لم تقصّر في قتل المعارضين لها من مواطنيها وفي قمعهم داخل البلاد كما في ملاحقة المعارضين لها المقيمين في الخارج وقتل عدد منهم كلما سنحت لها الفرصة. في ذلك تناقض كبير. ويعطي المتابعون مثلاً آخر على التناقض في السياسة الخارجية لبايدن. فهو من جهة رفع "أنصار الله" أي جماعة الحوثيين اليمنيين المدعومين من إيران عدوّة أميركا، الذين يتحاربون مع السعودية على أرض اليمن، عن لائحة الإرهاب، وهو الآن يلوّح بإعادتهم إليها. وهو من جهة ثانية حذّر من إرسال أسلحة محدّدة الى المملكة لأنّ الاستعمال غير الحكيم وغير الاحترافي لها وأحياناً الخاطئ تسبّب ويتسبّب بمقتل مئات أو ربّما آلاف المدنيين اليمنيين. لكنّه عاد قبل مدّة قصيرة ووافق على تزويدها صواريخ واصفاً إيّاها بأنها دفاعية، وهي تُطلق من الداخل السعودي لإسقاط الهجمات بالصواريخ والمسيّرات التي يطلقها الحوثيون على داخل المملكة. وهو من جهة ثالثة بدأ تطبيق استراتيجيا التخفيف من الالتزامات والمسؤوليات في الشرق الأوسط معتبراً أن المصلحة الحيوية لبلاده هي الاستعداد لمواجهة الصين أو بالأحرى لمنعها من التوسّع في بحر الصين ومن تشكيل خطر على دول حوض الباسيفيك أي المحيط الهادئ، وهي في معظمها صديقة بل حليفة للولايات المتحدة. لكنه عاد أخيراً الى تأكيد اهتمامه بالشرق الأوسط بحجّة أن الاهتمام بتطويق الطموحات التوسّعية للصين لا يعني أبداً ترك الشرق الأوسط وتحديداً دول الخليج العربية وغيرها. وهو من جهة أخيرة "قاصص" في شكل أو في آخر دولاً عربية لأنها أيّدت ترامب في أثناء ولايته ودعمته في انتخابات تجديد رئاسته، علماً بأن دافعها الى ذلك كان سياسته الهجومية على إيران التي بدأها بسحب أميركا من الاتفاق النووي الذي وقّعته معها عام 2015 ووقّعته أيضاً دول أخرى هي روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. وهو أي بايدن، يبذل الكثير من الجهود لإعادة بلاده الى الاتفاق ولإقناع إيران بالتخلّي عن "الإنجازات" التي حقّقتها ولا سيّما في المجال النووي، والتي خالفت بها الاتفاق في مقابل إحيائه.
الى أين وصل البحث الذي يقوده أوروبيون مباشرةً مع إيران لتحقيق الهدف المذكور أعلاه؟ يجيب المتابعون أنفسهم بأن أول علامة إيجابية على هذا الصعيد كانت إعلان إيران "المحافظين المتشدّدين"، الممسكين بكلّ مؤسّساتها السياسية والعلمائية والعسكرية والأمنية، عودتها الى طاولة المفاوضات في فيينا يوم الاثنين المقبل. لكنهم يلفتون الى أنها تطلب استناداً الى معلومات واشنطن اتفاقاً يوقّع عليه، الى السلطة التنفيذية الأميركية، الكونغرس أو أيّ صيغة أخرى تجعل من المستحيل أو على الأقلّ من الصعب جداً على أميركا الانسحاب من الاتفاق كما فعلت في أثناء ولاية ترامب عام 2015. لكن هذا الكونغرس اليوم ليس في يده أي بايدن مئة في المئة رغم الغالبية الضئيلة لحزبه الديموقراطي في مجلس نوّابه والغالبية "الواقفة على صوص ونقطة" كما يُقال في مجلس شيوخه، فضلاً عن أن الانتخابات النصفية التي ستُجرى في خريف العام المقبل 2022 قد تغيّر نتائجها الغالبيتين الديموقراطيتين المُشار إليهما. بذلك لا يعود في إمكان بايدن إقناع الكونغرس بتسوية ما تُقنع إيران بأنّ انقلاباً أميركياً ثانياً على الاتفاق النووي لن يحصل. يخلص المتابعون أنفسهم الى القول إن إيران فوّتت الفرصة على نفسها في أول عهد بايدن، إذ كان في إمكانها أن تأخذ الكثير وبالتأكيد أكثر ممّا ستأخذه الآن. يعني ذلك أن الكونغرس لن يُسقط العقوبات التي فرضها على إيران، وأنّه لن يقدّم التزاماً بأيّ صيغة كانت لعدم انسحاب بلاده من الاتفاق مرّة ثانية.
في أيّ حال، يعتقد المتابعون أنفسهم أن مفاوضات فيينا تسير نحو "اتفاق موقّت" هذا ما تريده روسيا لمعرفتها أن الكونغرس لن يعطي ضمانة لاستمرار الاتفاق، واللافت هنا أن بعض إعلام الداخل في إيران يتحدّث أيضاً في هذه الأيام عن "اتفاق مؤقّت" تنتهي إليه "فيينا". وقد أشار الى ذلك صحافي إيراني صديق وجدّي في آن واحد يُدعى علي منتظري، في مقالة له صدرت قبل أيام قليلة، رأى فيها أن فكرة الاتفاق الموقّت ليست جديدة، وأنها طُبخت في مشاورات بين واشنطن وتل أبيب بعدما تيقّن الجانبان أن إدارة بايدن عاجزة عن إلزام نفسها بتفاهمات قابلة للنقد مع بدء العد العكسي للانتخابات النصفية الأميركية، فضلاً عن أن مفاعيل "الاتفاق النووي" الأصلي تنتهي عام 2025. وتحظى فكرة الاتفاق الموقّت بدعم أوروبي يرى أصحابه أن عام 2025 قد يكون مناسباً للتوصّل الى تفاهم نهائي. ماذا يتضمّن الاتفاق المؤقّت "المزعوم" في رأي منتظري؟ يتضمّن أولاً مبادرة بايدن الى تعليق العقوبات المفروضة على إيران كلّ ثلاثة أشهر. يتضمّن ثانياً تجميد إيران برنامجها النووي عند النقطة التي وصل إليها وتبيع مدّخراتها من اليورانيوم المخصّب الذي يفوق احتياجاتها وتوقّف التخصيب بدرجات أعلى من النسبة التي تحتاج إليها لأغراض سلمية. ثالثاً يسري الاتفاق المؤقّت حتى انتهاء ولاية بايدن. ثمّ يتمّ توقيع اتفاق نووي جديد إذا فاز ديموقراطي برئاسة أميركا بعده وفي إطار مجموعة 5+1 وإيران. وإذا فاز جمهوري يتّخذ كل طرف القرار الذي تفرضه الظروف في حينه.
يبدو من الشرح المفصّل للموضوع أن هناك تلاقياً في "الفكر" بين أميركيين وإيرانيين حول "الاتفاق المؤقّت". لذلك لا بدّ من انتظار عودة الحياة الى مؤتمر فيينا يوم الاثنين المقبل لمعرفة مصير هذا الاتفاق.
"النهار": أميركا وإيران من الإتّفاق النووي الدائم... إلى إتّفاق مؤقّت؟
Download Aljadeed Tv mobile application
حمّل تطبيقنا الجديد
كل الأخبار والبرامج في مكان واحد
شاهد برامجك المفضلة
تابع البث المباشر
الإلغاء في أي وقت
إحصل عليه من
Google play
تنزيل من
App Store
X
يستخدم هذا الموقع ملف الإرتباط (الكوكيز)
نتفهّم أن خصوصيتك على الإنترنت أمر بالغ الأهمية، وموافقتك على تمكيننا من جمع بعض المعلومات الشخصية عنك يتطلب ثقة كبيرة منك. نحن نطلب منك هذه الموافقة لأنها ستسمح للجديد بتقديم تجربة أفضل من خلال التصفح بموقعنا. للمزيد من المعلومات يمكنك الإطلاع على سياسة الخصوصية الخاصة بموقعنا للمزيد اضغط هنا
أوافق