"النهار": إعمار مرفأ بيروت .. المشروع اللبناني يتطلع إلى التنفيذ بالوقت الضائع والألماني ينتظر حكومة "نظيفة"

2021-05-27 | 05:52
"النهار": إعمار مرفأ بيروت .. المشروع اللبناني يتطلع إلى التنفيذ بالوقت الضائع والألماني ينتظر حكومة "نظيفة"
بعد أكثر من تسعة أشهر على انفجار مرفأ بيروت، وفيما لا تزال التحقيقات جارية لمعرفة الاسباب التي أدت الى وقوعه والمسؤولين عنه، تظل مشاهد الدمار في المرفأ على حالها شاهدة على الجريمة التاريخية التي أسفرت عن تضرر نحو 50 ألف وحدة سكنية وأودت بحياة أكثر من 200 شخص وإصابة نحو 6500 آخرين. في هذا الوقت لا تزال الدولة معتكفة عن طرح اي مبادرات أو اي مشروع لإعادة بناء ما هدمه إهمالها، فيما الاهتمام الاوروبي، وتحديدا الألماني الذي برز الشهر الماضي، بدا وكأنه سحابة صيف عابرة إنكفأت مع انكفاء المبادرات الاوروبية حيال لبنان، علما ان البعض ينظر الى هذه المبادرات من منطلق جيوسياسي، إذ يعني ان لبنان لا يزال محط أنظار المجتمع الدولي، والاستثمارات جاهزة وتنتظر سقوط المنظومة الحالية وتشكيل حكومة الإصلاحات والشفافية. فهل غضّت هذه الشركات النظر عن مشروعها مع استمرار مراوحة الوضع السياسي في لبنان؟ وماذا عن المشاريع المحلية؟
 
في 8 نيسان الماضي، استضافت بيروت مؤتمرا صحافيا عقدته ثلاث شركات ألمانية خاصة هي "كوليير" (Colliers)،  و"هامبورغ بورت" (Hamburg port consulting)، وفرونهوفر (Fraunhofer)، اعلنت خلاله عن مشروعها لإعادة إعمار المرفأ ومحيطه، بكلفة قدرت بنحو 7.2 مليارات دولار للمرحلة الاولى، فيما قدرت الكلفة الاجمالية بأكثر من 20 مليار دولار، ويؤمّن نحو 30 مليار دولار من القيمة الربحية غير المباشرة لنحو 25 عاما، مع توفير 50 ألف فرصة عمل.
 
مهندسو المشروع عرضوا خرائط مفصلة تظهر طريقة تطوير المرفأ ومحيطه، ولحظت حدائق عامة، وشواطئ للسباحة، ومقاهيَ، ونقلا عاما مشتركا، ومبانيَ سكنية قالوا إن اسعارها مناسبة لجميع العائلات، وأخرى سياحية بمواصفات عالية، اضافة الى إعادة ترميم الأحياء التراثية المحيطة بالمرفأ والتي تضررت من جراء الانفجار.
 
وكان وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار، أشار إلى ان المشروع المقدم لن يكلف الدولة اي مبالغ، وأن عقد الاستثمار يراوح ما بين 50 و99 عاما، وسيبدأ المشروع بمساحة نحو مليون و300 ألف متر مربع. إلا أنه رغم اعجابه بالمشروع، قال إن الحكومة الحالية هي في مرحلة تصريف أعمال، ولا تملك صلاحيات قبول العرض أو رفضه، وهذه القرارات ستكون من صلاحيات الحكومة الجديدة. وهو ما أكده السفير الألماني في لبنان، أندرياس كيندل بقوله إن "المشروع يتطلب موافقة الحكومة أولاً، ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية التطبيقية، والتوافق السياسي والقيام بالإصلاحات المطلوبة كمعبر إلزامي للحصول على الدعم الدولي".
 
ما هو مصير المشروع؟ رئيس المجلس اللبناني الألماني إلياس أسود الذي شارك في المؤتمر الصحافي للشركات أكد لـ "النهار" ان "المشروع يتقدم يوما بعد يوم، والدراسات مستمرة لإنجاز المرحلة الاولى بعدما تم الأخذ برأي الاختصاصيين اللبنانيين، وبموجبه جرى تعديل مقاطع عدة من الدراسة الاولية، وتاليا سنقوم بعرض الدراسة الجديدة للمناقشة في وقت لاحق. أما التعديلات التي لحظها المشروع حتى الآن فتتعلق بالقدرة الاستيعابية للمرفأ حيث تمت مضاعفتها ثلاث مرات تقريبا، مع الاخذ في الاعتبار تسريع دخول البضائع وخروجها لتخفيف الكلفة على الشركات المستوردة على نحو يجذبها لاعتماد المرفأ". 
 
وشدد على أن الشركات الألمانية "مهتمة جديا بمساعدة لبنان لبناء اقتصاد قوي، وهي تنكب على دراسة المشروع"، كاشفا أن دولا اوروبية أخرى التحقت بمجموعة المهندسين والاختصاصيين لتطوير الدراسة بغية إطلاقها على احسن وجه، كذلك أبدت كل من هولندا وبلجيكا وفرنسا رغبتها بالاشتراك في هذا المشروع.
 
ماذا عن التمويل؟ أوضح أسود أن "مسألة التمويل ستكون أكثر وضوحا في اول حزيران المقبل، مع ان الاعتقاد السائد هو أن الدولة الالمانية هي التي ستكفل أموال هذه الشركات التي عليها تأمين التمويل اللازم"، إلا أنه لفت في المقابل الى "أن المانيا ورغم اقتناعها بهذا المشروع فإنها لن تدعمه ما لم يتغير المشهد السياسي في لبنان". أما عن كيفية استرجاع الشركات للأموال التي استثمرتها، فقد أشار أسود الى ان "ايرادات المشروع العقاري (منازل ومشاريع سياحية) ستؤول في الفترة الاولى الى الشركات، فيما ايرادات المرفأ الضريبية ستؤول الى الدولة طوال فترة تشغيل المشروع مع استرجاعه كاملا مع انتهاء فترة العقد الذي لا يزال قيد الدرس" (الفترة التي يمكن أن تسترجع فيه الشركات ما ضخته في المشروع اضافة الى ارباحها منه). وقال إنه وفقا للدراسات "فإن المرحلة الاولى ستشمل تطوير المرفأ الذي من المفترض أن يكون جاهزا خلال عامين ونصف عام"، مشترطا تشكيل حكومة "نظيفة وشفافة" للمباشرة بالمشروع فور الانتهاء من الدراسة التي تحتاج الى سنة تقريبا.
 
ولا يحبذ اسود المقارنة بين مرفأ بيروت ومرفأ حيفا الذي يتخوف البعض من إمكان أن يأخذ دور بيروت، ويبدو مقتنعا بأن موقع لبنان الجغرافي أهم من حيفا بدليل أن بيروت اقرب من حيفا الى العراق عبر السكك الحديد، كما أن مرفأ بيروت متطور أكثر بكثير من مرفأ حيفا، وهو أقرب مرفأ للملاحة إذا ما أقمنا خطا مباشرا مع حدود لبنان الشمالية، ويمكن بذلك الشحن إلى سوريا وتاليا إلى العراق بسهولة.
 
تفاصيل المشروع اللبناني
في موازاة المشروع الالماني، برز مشروع لبناني تبنّاه رئيس نقابة المقاولين ومؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة "أبنية" للهندسة والمقاولات مارون الحلو ومؤسس محطتي الحاويات في مرفأي بيروت وطرابلس أنطوان عماطوري. فبماذا يختلف عن المشروع الالماني؟
 
قبل أن يفصّل مارون الحلو مشروعه يعرض بعض الوقائع عن عمل مرفأ بيروت والتغيرات التي حصلت في المنطقة العربية، ليخلص الى نتيجة مفادها أن المساحة الحالية للمرفأ كبيرة ولبنان لم يعد في حاجة اليها.
 
ويوضح الحلو أن مرفأ بيروت يحوي 16 رافعةsts (نقل وتوزيع) سعتها 3 ملايين و200 ألف مستوعب سنويا. وفي 2018 شحن الى لبنان 775 ألف TCU (مستوعبات صغيرة وكبيرة و400 ألف مستوعب ترانزيت)، بإيرادات وصلت الى نحو 300 مليون دولار (250 مليونا رسوما مرفئية و50 مليون دولار للشركة المشغلة للمرفأ)، علما أن عقد هذا المشغل انتهى ويتم التجديد له كل 3 أشهر تباعا، وهذا ما يفسر برأيه "عدم تحديث تجهيزات المرفأ وتأهيلها". اما في عام 2020 فشُحن 400 ألف مستوعب و100 ألف ترانزيت. ويعزو قلة شحن الحاويات الى تشغيل مرفأ طرابلس الذي بدأ يأخذ جزءا من عمل مرفأ بيروت، والذي ينتظر أن يصل الى نحو 25 الى 30% من عمل حاويات مرفأ بيروت. النتيجة التي يخلص اليها الحلو من عرض هذه الارقام هي أن "حركة المرفأ لم تعد كما في السابق، والـ 16 ونشاً sts أكثر من كافية على الاقل لـ 10 أو 20 سنة بحسب الاحصاءات". 
 
مساحة المرفأ مليون و200 ألف متر مربع، "فيما دراساتنا تؤكد اننا لسنا في حاجة الى استخدام كل هذه المساحة على الاقل في الـ 20 سنة المقبلة، وفي مقدورنا اقتطاع 500 ألف متر مربع على الاقل من المساحة الاجمالية لكي تفيد منها الدولة إما باستثمارها (مستودعات او غيره) أو بيعها، خصوصا ان سعر هذه المساحة يراوح ما بين 5 و7 مليارات دولار على الاقل"، يقول الحلو. ويضيف: "يمكن الدولة ان تغير كل استراتيجية المرافىء وتنشئ مرافى عدة على الشاطىء"، ويعزز رأيه هذا بعمل مرفأ حيفا وتعاطيه مع المرافىء الخليجية على نحو حوّل الحركة الاقتصادية عن مرفأ بيروت. ولا يشجع بناء مرفأ كما تطرحه الشركات الاجنبية بكلفة 20 أو 30 مليار دولار، خصوصا أن هذا التمويل هو "دين اضافي على الدولة، في مرحلة ضاعت فيها اموال المودعين ولا نعرف كيفية سداد العجز الناتج من الادارة السيئة للحكومات المتتالية خلال الـ 30 سنة الماضية". ويبدو مقتنعا بأن ايرادات المرفأ خلال السنوات الثلاث المقبلة والبالغة نحو 400 مليون دولار كافية لبناء المرفأ الذي يحتاج الى اعادة بناء الاهراءات وتأهيل البنى التحتية وردم قسم من الموجود من المرافئ الحالية لتوسيع المساحة للحاويات التي يمكن ان تحتاجها. المشروع الذي يعرضه الحلو مع عماطوري يقضي بالحصول على مدخول المرفأ على 3 سنوات أو 4 سنوات، وهذه الأموال كافية لبناء المرفأ وتسليمه من بعدها للدولة. ولكن ماذا لو لم تكن الايرادات كما هو متوقع؟ يستند الحلو الى الاحصاءات المتوافرة... "ولكن في كل الاحوال فإن المخاطر ستتحملها الشركات التي ستنفذ المشروع".
 
ويأمل الحلو المباشرة بتنفيذ المشروع فور جهوز دراساته من الناحية الهندسية والتمويلية والتي تحتاج الى نحو 6 أشهر، "إذ يمكن ان نبني المرفأ في الوقت الضائع الذي لم تبادر فيه الدولة الى اجراء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ولم تستطع تثبيت سعر الصرف ولم تعالج ازمة المصارف، من دون ان نحمّل لبنان مشاريع خارج قدرته كالتي تطرحها الشركات الاجنبية"، مشيرا الى أن المشروع الالماني "نهضوي بكل ما للكلمة من معنى، ولكن ثمة أموال ستنفق ليس لها علاقة بتطوير المرفأ بل بتطوير المنطقة، ما سيرتب ديونا على الدولة".
"النهار": إعمار مرفأ بيروت .. المشروع اللبناني يتطلع إلى التنفيذ بالوقت الضائع والألماني ينتظر حكومة "نظيفة"
Download Aljadeed Tv mobile application
حمّل تطبيقنا الجديد
كل الأخبار والبرامج في مكان واحد
شاهد برامجك المفضلة
تابع البث المباشر
الإلغاء في أي وقت
إحصل عليه من
Google play
تنزيل من
App Store
X
يستخدم هذا الموقع ملف الإرتباط (الكوكيز)
نتفهّم أن خصوصيتك على الإنترنت أمر بالغ الأهمية، وموافقتك على تمكيننا من جمع بعض المعلومات الشخصية عنك يتطلب ثقة كبيرة منك. نحن نطلب منك هذه الموافقة لأنها ستسمح للجديد بتقديم تجربة أفضل من خلال التصفح بموقعنا. للمزيد من المعلومات يمكنك الإطلاع على سياسة الخصوصية الخاصة بموقعنا للمزيد اضغط هنا
أوافق