امين قمورية - "النهار"
أميركا تقود ائتلافاً دولياً كبيراً لمحاربة تنظيم "داعش"، ولها في الأنبار أكبر موقع عسكري هو قاعدة عين الأسد الجوية، التي لا تبعد عن الرمادي سوى بضعة كيلومترات. ومع ذلك، وعلى رغم السيادة الجوية المطلقة للأميركيين في السماء العراقية، تسقط الرمادي في يوم وليلة وترفرف الأعلام السود فوق مبانيها!
من المفارقات أنه في اليوم نفسه ترصد الطائرات الأميركية "أبو سياف" ورفاقه الإرهابيين في منزل صغير بدير الزور وتبيدهم في غارة متقنة، لكنها على كثافة طلعاتها الجوية في السماء العراقية تعجز عن رؤية آلاف المقاتلين السود يجتاحون مدينة كبيرة مثل الرمادي!
تسقط الرمادي ويسقط معها بالضربة القاضية ما تبقى من هيكل الجيش العراقي المتهالك، لينهار بانهياره آخر أمل في مؤسسة أمنية وطنية كانت لا تزال تربط بخيوطها الرفيعة العراقيين.
حيدر العبادي، الذي صدّق أنه جاء حامياً لحمى ما بقي من وحدة العراقيين، قلبت صدمة الرمادي كل حساباته ولم يبق في جعبة ائتلافه الحكومي الهش سوى ورقتي الحشد الشعبي والعشائر السنية. لكن الرمادي ليست تكريت وليست أربيل، هي أكبر مساحة وسكاناً وبعيدة جغرافياً عن المعاقل الشيعية لأحزاب الحشد وفصائله، وكأن من غض النظر عن سقوط عاصمة الأنبار يريد إظهار الحشد كـ"بالون منفوخ" لتنفيسه في الأنبار بعدما ظن في تكريت انه قوة لا تهزم وان في إمكانه حكم العراق كله كما حكمه صدام ببعثه. وما يفرق بين الحشد والعشائر أكثر مما يوحد. فالعشائر الممتعضة من ممارسات الحشد في المناطق المحررة لا تميز كثيراً بينه وبين "داعش"، تقيم القيامة ولا تقعدها عندما يحترق مبنى تابع للوقف السني في الأعظمية قبل أيام لمجرد اتهام الشيعة بالحرق، لكنها تلوذ بالصمت عندما تفتك السيارات المفخخة بزوار المقامات الشيعية. هي لا ترى ضيراً في جرجرة الحشد إلى معاركها في الأنبار، لكنها لا ترغب في تكرار ما حصل في تكريت وبيجي في الرمادي والفلوجة. وبين سيطرة المسلحين الشيعة على المدن السنية وبقاء "داعش"، يفضل جزء لا يستهان به منها الخيار الداعشي حتى لو كان شديد المرارة.
حماسة العشائر لتخليص مدنها من متطرفيها لا تنضج وتصبح القضية إلا عندما يعلن عن تشكيل إقليم سني في الوسط يحكمه السنة ويكون له حرس وطني سني في مواجهة حرس الجيران في الوطن الواحد: الحشد الشعبي للشيعة والبشمركة للأكراد.
وهكذا تتحقق نبوءة بايدن بتحويل العراق فيديراليات أقرب الى الكيانات المستقلة.
الرمادي تصبغ العراق بلونها، وتجعل مستقبله رمادياً مائلاً إلى السواد.