منير الخطيب (السفير)
نعلم، معالي الوزير، مدى انشغالك بقضايانا المصيرية، من عرسال الى المخطوفين الى الحوار بين تياري البلد المتربّصَين ببعضهما. شكوانا بسيطة عابرة للطوائف تعني كل المواطنين كما في شعار وزارتك: الداخلية والبلديات وكل اللبنانيين.
لا نتذمّر، والعياذ بالله، عندما يقطع الطريق في شارع الحمراء لمرور موكبكم، أو عندما يتعطل المرور عند تقاطع برج المر لمرور موكب مسؤول كبير، أو لتضييق طريق أو إغلاقها لسبب أمني. هذه من المسائل الكبرى، يضحّي اللبنانيون في سبيلها بسرور وغبطة.
ولكن هل من المعقول أن يتوقف السير، ونقبع داخل السيارات أوقاتاً طويلة صيفاً شتاء، من أجل فنجان «اسبرسو» ولو كان رخيص الثمن بخمس مئة ليرة. السير يتوقف كلياً تقريباً على جادة شارل ديغول (الكورنيش)، وأحياناً تصل الزحمة الى الحمام العسكري بسبب المقاهي الممتدة من ستارباكس الى «انكل ديك» و «أبو الذهب» قبل فندق الـ «فينيسيا». ونبت أخيراً مقهى «سريع» آخر شارع الراشدين المعروف بـ(كورنيش التلفزيون)، بعد منزل دولة الرئيس سليم الحص. تزدوج أمامه خطوط السيارات، وتتثلث وأحياناً تتربع فيختنق السير. وبعده ببضعة أمتار يضيق الشارع أكثر كرامة «قرن بوظة» من «كريمينو». أما نزولاً باتجاه «بربر» فحدّث ولا حرج. من أجل «لحم بعجين» نسكّر مدخل «الصليب الاحمر». واذا رجعت الى الحمرا، يقف السير تماماً أمام متجر دراجات «الهارلي» لان اصحابها يستعرضونها على الطريق. واذا أكملت الى شارع الحمراء فالسيارات المخالفة وقوفاً مزدوجاً، تقريباً أمام كل مطعم ومكتبة ـ تحت أعين دراجي شرطة السير، وصولاً الى «بندقجي». والسيارات لعليّة القوم القادرين على رسوم المواقف الباهظة، لكنهم يفضلون التطاول على الشرطة، على أن يركنوا السيارات في مكان صحيح رحمة بالعابرين. وهذه هي الحال أمام مبنى الكونكورد والمصارف القريبة ومقهى «ليناز». النماذج المذكورة تحيط وزارتكم الكريمة من الجهات الأربع، وهي على سبيل المثال لا الحصر. فهل يعقل أن تعجز الوزارة بأفرادها وضباطها عن تخفيف أزمة السير في محيطها؟. وهل يُعقل أن تتسبب المطاعم التي تسطو على مواقف جيرانها، بزحمة اضافية، عبر مراكمة السيارات على مداخلها؟
الوقوف المزدوج، مسألة ذوق، أو قلة ذوق، وهي بحاجة لتربية تعجز عنها الوزارة من دون شك. ولكن الغرامات الرادعة كفيلة بوضع حد لها، وفرض الذوق بالقوة.
والمسألة ليست حول وزارة الداخلية، بل أمام كل متجر أو مطعم أو ملهى «ماشي».. وحتى ثكن الدرك، انظر الى ما يعانيه سكان مارالياس من ثكنة الحلو وشرطـتها، علماً ان قائد وحدة الــسير مقيم في مكان قريــب، وبجوار منزله المخالفات حدّث ولا حرج، الى درجة أن إشارات وجهة السير تبدّلت أكثر من مرة، الى ان استقرت على اشارة لمسارَين متقابلين.
في قلة الذوق يستوي اللبنانيون جميعاً، فأصحاب الملاهي والمطاعم وغيرها من المتاجر والمولات، من كل الطوائف والمذاهب، من مونو الى الروشة والحمرا ومارمخايل والجميزة. خارج بيروت أسوأ من داخلها. من انطلياس الى جل الديب الى البترون الى صيدا والدامور وخلدة، وصولاً الى أصغر قرية. اختناقات مرورية تخنق العباد، وتسجنهم لساعات يومياً من دون أي اعتبار. وسببها توقف ممنوع أمام متجر أو مخبز او ملهى. المخالفون كذلك لا مذهب يفرّق بينهم. طبّقوا القانون، وخذوا شوارع مريحة، وسيراً منساباً يدهش العالم.