نجاح الإمارات في احتواء جائحة كورونا
نجاح الإمارات في احتواء جائحة كورونا
A-
A+

نجاح الإمارات في احتواء جائحة كورونا

2020-06-19 | 08:54
نجاح الإمارات في احتواء جائحة كورونا
في منعطف مصيري في مواجهة الإنسانية جمعاء لجائحة مرض فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة أنها نجحت في محاصرة الخطر الفيروسي بموجته الشرسة الأولى، حيث شهدت الفترة الأخيرة في مختلف إمارات الدولة إرتفاعاً في عدد الفحوص اليومية مقابل انخفاض في عدد الإصابات الجديدة، مع زيادة يومية في حالات الشفاء. ولذلك، وبعد نهاية المرحلة الأولى من مواجهة الجيش الأبيض العالمي لهذه الغزوة الجرثومية (والتي يُختلف في تحديد مصدرها، فهل هي غضب من الطبيعة الاُمّ؟ أم نتيجة تجارب خبيثة بأيدي المارقين من البشر؟)، لا بد من دراسة شافية لهذا النجاح العربي المتميز في حفظ الحياة الإنسانية.
مع مطلع كانون الأول 2019 صُدم العالم الذي يعيش تحدي البركست لعصر العولمة، وسط حرب تجارية طاحنة إقتصادياً بين التنين الصيني والنسر الأميركي، بظهور ساحق لوباء خطير من أسواق مدينة ووهان الصينية، ما لبث أن تخلى عن تفشيه المحلي ليتحول إلى جائحة مرعبة على مستوى العالم. 
   وسط التحدي الوبائي الخطير، ردت الدول الغربية المتقدمة بإستراتيجيات متعددة، لتبرز نجاحات ملموسة لكل من اليابان وألمانيا واستراليا ونيوزلندا وتايوان في تحييد خطورته، بينما فشلت دول كبرى في الإحتواء، أبرزها الخمس صاحبة حق النقد "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا العظمى وروسيا الإتحادية والصين الشعبية وفرنسا الفرنكوفونية) وبالأخص إيطاليا (وريثة مجد روما)، رغم إمكانياتها الإقتصادية والطبية والإدارية الكبرى التي تمتلكها.
   الدولة العربية النموذج في إدارة مخاطر هذا التهديد المرضي الخطير كانت دولة الإمارات العربية المتحدة التي إختطت نموذجاً فريداً يستند إلى خصائصها المتميزة بإتباعها مسارَها الخاص في التحكم بالأزمة الجرثومية المستجدة، إدراكاً من قيادتها لاختلاف نظامها القيمي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي عن غيرها من الأمم الآسيوية والأوروبية والأميركية.
   المُبشر حالياً هو أن العدد الإجمالي لحالات الإصابة بالفيروس يشكل أقل من 0.38% من سكان الإمارات من مواطنين ووافدين، 56.2% منهم تعافوا تماماً من أعراض المرض بعد تلقيهم الرعاية الصحية اللازمة لإشراف الجهاز الطبي المتطور والمتكامل الذي أمنته وزارة الصحة ووقاية المجتمع .  كما إرتفع متوسط الفحص اليومي الذي تقوم به الطواقم الطبية اللإماراتية من 25 ألف فحص إلى أكثر من 40 ألف كشف. فيما إنخفض معدل الإصابة من متوسط 800 إصابة يومياً إلى أقل من 600 إصابة، مقابل إرتفاع كبير في نسب الشفاء وتناقص في أعداد المرضى الذين لايزالون يتلقون العلاج.
  للوصول إلى تحليل هذا النجاح العربي، لا بد من دراسة بداية مؤشرات الإستراتيجية الإماراتية لصون مجتمعها، والتي إستندت على الخطوات التالية:
1-  اتخاذ التدابير الصارمة والإجراءات الوقائية لاحتواء الفيروس لعدم تفشيه، وذلك من خلال تطوير إجراءات رصد الحالات عند نقاط الدخول في المطارات والموانئ والمعابر البرية، مع تعزيز إكتشاف الحالات إستباقياً من خلال توسيع الفحوص المخبرية، وتوفير أماكن الحجر الصحي المتخصصة والملائمة وبروتوكولات العلاج المناسب للحالات المستعصية.
2- إتخاذ الإجراءات المعيارية للحد من إنتقال المرض كتعطيل المؤسسات التعليمية، وتعليق حركة الطيران ووقف كل الفعاليات العامة، ومنع التجمعات، وإغلاق الأماكن العامة.
3- محاولة عدم تعطيل حياة الناس الطبيعية. فبالرغم من تطبيق إجراءات "التباعد الاجتماعي"، إلا أن السلطات الإماراتية أخذت في الحسبان الأوضاع الإقتصادية والصحة النفسية للأفراد، لذا إتبعت الإسلوب التدريجي في إجراءات الحد من حركة المواطنين والوافدين. كما أنها لم تطبق إجراءات الحظر الكامل والشامل؛ حيث فرضت الحظر الجزئي من الساعة الثامنة مساء إلى الساعة السادسة صباحاً، ولمدة أسبوعين فقط (وليس كلبنان، حيث تستمر التعبئة العامة منذ شهر آذار الماضي، لتُقطع الأرزاق، وبالتالي تنحني الأعناق الشامخة أمام هول الضائقة المالية).
4- المحفزات الإقتصادية التي أعلنها مصرف الإمارات المركزي بقيمة إجمالية تبلغ 100 مليار درهم لمساعدة البنوك العاملة في الدولة على التعامل مع التأثيرات الاقتصادية السلبية الناجمة عن أزمة كورونا. فقد اتخذت الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية إجراءات عدة لتعزيز الإستقرار الاقتصادي.
   على سبيل المثال لا الحصر، أطلقت حكومة أبوظبي 16 مبادرة لتخفيف الأعباء على الشركات وتحفيز قدرتها على مواجهة ظروف السوق الصعبة، وأعلنت كذلك عن تشكيل لجنة لمراجعة وضع القروض للشركات. كما أطلقت حكومة دبي حزمة حوافز اقتصادية بقيمة 1.5 مليار درهم بهدف دعم الشركات وقطاع الأعمال، فضلاً عن إطلاق مبادرات عدة لتخفيف العبء المالي المتعسرين وأصحاب القروض.
5- تطوير قدرات الصحية للطواقم الطبية اللإماراتية؛ وعلى سبيل الإشادة، تم إنشاء "مراكز إجراء الفحص من المركبة" للكشف عن فيروس كورونا خلال خمس عشرة دقيقة فقط. 
  وفي إطار التنويه، تم بناء أكبر مختبر حديث خارج الصين واليابان ضم قدرات معالجة فائقة لإجراء عشرات آلاف الاختبارات بتقنية تفاعل البوليمرز المتسلسل اللحظي .
  وهنا لا بد من الإشادة بدور وزارة الداخلية الإماراتية التي أمدت قوات الشرطة بخوذات ذكية تمكّنها من قياس درجة حرارة آلاف المتواجدين في الحيز الجغرافي المفتوح. ويمكن لهذه الخوذات (التي تحتاج لوقت أقل ومسافة أقصر من أجهزة قياس الحرارة التقليدية) قياس درجة الحرارة من على بعد خمسة أمتار، وتستطيع فحص ما يصل إلى 200 شخص في الدقيقة، فتصدر الخوذة إنذاراً في حالة رصد شخص مصاب بالحمى. وتكون هذه الخوذات فعّالة لفحص الناس في المناطق ذات الكثافة السكنية المرتفعة.
  لقد أسهمت الاستراتيجية الناحجة التي اتّبعتها القيادة الإماراتية في حصر الخطر الوبائي، فبالرغم من أن تعداد السكان الإجمالي يصل إلى نحو 10 ملايين نسمة، فيما المجتمع يتسم بتنوع هائل، والدولة منفتحة ومعولمة، إلا أن عدد الإصابات لا يتجاوز 39,904 فرداً، والوفيات 283 فقط ، وهذا يعني أن معدل الوفيات أقل من 1 بالمئة، وهو يَقل كثيراً عن المعدل العالمي الذي يصل إلى 3.4 بالمئة للأسف.
  هذا النجاح المحلي للإمارات ما لبث أن تحول طبقاً للشهامة العربية إلى مد العون للدول الصديقة والشقيقة. فشملت مبادرات الحكومة الإتحادية تقديم الدعم الكامل لمنظمة الصحة العالمية، وتزويد عدد من الدول، من بينها الصين وإيران وأفغانستان وباكستان والصومال وكولومبيا وسيشل وإيطاليا وكازاخستان، بالمواد الطبية اللازمة والإغاثية والضروريات لتجاوز هجمة الوباء الشرسة. ولا ننسى على صعيدنا المحلي اللبناني، مع بداية تأكد خطر الوباء مطلع شهر آذار، أطلق سعادة السفير الدكتور حمد بن سعيد الشامسي  حملة "المبادرة الإماراتية الإنسانية" للبدء بتعقيم دور العبادة والأماكن العامة وأماكن التجمع والشوارع في مدينة بيروت بالتعاون والتنسيق مع محافظ بيروت القاضي زياد شبيب.

  إن التجربة الإماراتية داخلياً وخارجياً من حيث التكامل والتنسيق بين القيادة والحكومة الإتحادية والحكومات المحلية، وما رافقه من تكاتف وتعاون مختلف الوزارات وأجهزة الدولة، هو الذي أرسى الأسس القوية لنجاح النموذج الإماراتي تخفيف حدة الموجة الأولى للجائحة الكورونية. وهو نموذج يُحتذى به عربياً، حيث أن الإعداد المسبق والتخطيط السلمي وسرعة الإستجابة ومتابعة المستجدات يحفظ البلاد ويحمي العباد. 

 

حبيب البدوي أستاذ متخصص في "الدراسات اليابانية والعلاقات الدولية"

 

 

 

 

 

 

إشترك بنشرتنا الاخبارية
انضم الى ملايين المتابعين
Download Aljadeed Tv mobile application
حمّل تطبيقنا الجديد
كل الأخبار والبرامج في مكان واحد
شاهد برامجك المفضلة
تابع البث المباشر
الإلغاء في أي وقت
إحصل عليه من
Google play
تنزيل من
App Store
X
يستخدم هذا الموقع ملف الإرتباط (الكوكيز)
نتفهّم أن خصوصيتك على الإنترنت أمر بالغ الأهمية، وموافقتك على تمكيننا من جمع بعض المعلومات الشخصية عنك يتطلب ثقة كبيرة منك. نحن نطلب منك هذه الموافقة لأنها ستسمح للجديد بتقديم تجربة أفضل من خلال التصفح بموقعنا. للمزيد من المعلومات يمكنك الإطلاع على سياسة الخصوصية الخاصة بموقعنا للمزيد اضغط هنا
أوافق