قتل الصحافيين في جنوب لبنان: إجراءات السلامة لن تحمينا من الاستهداف!

2025-03-11 | 08:14
قتل الصحافيين في جنوب لبنان: إجراءات السلامة لن تحمينا من الاستهداف!

محمد فرحات - "لم نعد بحاجة إليها، هي إجراءات لا طائل منها"، هي عبارات سمعت مرات عديدة طوال فترة الحرب في لبنان في إشارة إلى الملابس والدروع والخوذ وإشارات الصحافة على السيارات، اجراءات لم تحم الإعلاميين ولم تمنع الإسرائيليين من إستهداف الأطقم الصحافية غير مرة ما أدى الى سقوط شهداء وجرحى من الإعلاميين.

وعلى الرغم من كل هذه المخاطر والتهديدات الا ان صحافيي لبنان ومعهم عدد من الصحافيين الأجانب أصروا على تغطية الحرب حتى يومها الأخير وتحدوا كل الظروف وثبتوا لنقل الصورة رغم توديع زملائهم وتشييعهم وفقد عدد منهم.
للإعلام اللبناني تاريخ طويل من المواجهة مع الجيش الإسرائيلي، تاريخ حمل في الحرب الأخيرة فصولا عدة كانت نتيجتها واحدة، المزيد من الضحايا في صفوف الإعلاميين. إفتتح مصور وكالة رويترز عصام عبد الله عهد الصحافيين الشهداء في الحرب الأخيرة بعد ان تعرض مع عدد من الإعلاميين في فضائيات ووكالات أجنبية لهجوم بالقذائف ادى الى جانب مقتل عبدالله الى جرح اكثر من 5 مراسلين ومصورين. وبعد شهر من هذا الإعتداء وخلال جولة صحافية في بلدة يارون الحدودية في جنوب لبنان، شنت طائرات بدون طيار إسرائيلية غارتين منفصلتين في محيط مكان تجمع الصحافيين ما أدى الى إصابة بعضهم وتضرر سياراتهم وممتلكاتهم.
تقول ريف عقيل مراسلة قناة الجديد اللبنانية والتي كانت من ضمن الفرق الإعلامية في يارون ان قتل عصام عبدالله جعلها تعيد التفكير في التوجه الى الجنوب اللبناني خلال الحرب غير انها "فرصة لا تأتي مرتين". 
"لم أشعر بأي شيء في يارون في وقت الإستهداف لكن قلبي بقي يخفق سريعا لعدة أيام" بهذه الكلمات تلخص عقيل الواقع النفسي في ذلك اليوم المشؤوم، تشكر ريف الظروف التي جعلتها تعود الى عائلتها على قيد الحياة وتلفت الى الحزن الكبير الذي خلفه فقدان الزملاء، وتختم ريف بالقول إن نقل الصورة يبقى الأهم ويلعب دورا وطنيا كبيرا خصوصا بعد الإعتداءات على الصحافيين التي بحسب عقيل هدفها إبعاد الصحافيين.
أما سمير العقدة، وهو من المصورين الحربيين المخضرمين في لبنان والذي له صولات وجولات كثيرة في تغطية الحروب والأزمات فيقول أن المصورين هم الجنود المجهولون غير أنه قرر البقاء لأن سلاحه الأساسي هو الصورة وعملهم هو نوع من أنواع المقاومة. ولا ينسى "أبو شاكر" التأكيد على ان استمرار العمل كان تكريما لأرواح زملائهم الإعلاميين الشهداء ومحاولة لتأكيد إيصال الصوت والصورة اللبنانيين.
لم تتوقف الإعتداءات الإسرائيلية في يارون، حيث طالت بعد أيام قليلة فريق عمل قناة الميادين في بلدة طير حرفا ما أدى الى مقتل المراسلة فرح عمر والمصور ربيع معماري وتقني الميدان معهما. 3 شهداء بصاروخ واحد هزوا الإعلام المحلي والعالمي بشكل كبير. توافد المشيعون إلى مبنى الميادين ثم الى مسقط رؤوس الضحايا وألقوا عليهم تحية الوداع الأخير. جمعتني بفرح علاقة تعدت زمالة العمل، فكانت الصديقة والجارة وكذلك رفيقة المقاعد الدراسية. كان وقع الخبر عليّ كبيرا لكنني خرجت على الهواء بعد أقل من ساعة ناعيا صديقتي ومؤكدا إكمال رسالتها حتى اليوم الأخير.
مع إعلان التوغل البري الإسرائيلي في جنوب لبنان، اضطر الصحافيون لتغيير مكان أقامتهم من بلدة إبل السقي الى بلدة حاصبيا وذلك لاعتبارات أمنية تتعلق بسلامتهم وأمنهم. ولكن في حاصبيا ما حصل كان مفاجئا, قرية سياحية يسكنها صحافيون من 8 مؤسسات إعلامية محلية وعالمية تعرضت لغارة بصاروخين من طائرات حربية أدت إلى مقتل 3 صحافيين وهم المصوران وسام قاسم وغسان نجار وتقني البث المباشر محمد رضا. كنت شخصيا من بين الصحافيين الموجودين هناك, عند الساعة الثالثة والربع فجرا استيقظت على صوت صواريخ مقبلة نحونا وما كان بي إلا أن جلست على سريري وغطيت نفسي ببطانية قبل أن يتساقط سقف الغرفة فوق رأسي. هرعت إلى الخارج وإذ بزملائي قتلى, أشلاء, أجساد بلا روح. قبل ساعتين شربنا الشاي سويا, والان قمت بتغطية جثثهم بيدي.
تستذكر حنان عيسى مراسلة قناة الغد الفضائية المصور وسام الإنسان المحبوب. تقول عيسى ان نداء الواجب كان حاضرا دائما رغم التهديد لأن رسالة الإعلام والصحافة لا تستثني الحرب خصوصا التي يكون فيها "عدوك"، اي إسرائيل جزءا منها ما يضفي الصبغة الوطنية على العمل الصحافي في هذه الحرب. تستذكر الصحافية الفلسطينية شهداء الصحافة في غزة وفلسطين على مر العصور، وتشير إلى أن الأمر أصبح شبه طبيعي ألا يتم محاسبة إسرائيل على جرائمها، وتنتقد وتقول ان الصوت وعلى الرغم من أثره القليل لكنه يجب أن يبقى موجودا لتوثيق كل الجرائم.
وهنا يجب الإشارة الى ان حنان عيسى إنتقلت من مرجعيون الى مدينة صور التي عدنا إليها بعد استهدافنا في حاصبيا.
أما نقيب المصورين في لبنان علي علوش فيقول إن الواجب الحقيقي للمصور هو إظهار الحقيقة. هذه الحقيقة بحسب علوش تتحقق فقط بالسلاح والسلاح هنا هو الصورة والكاميرا. وهذا المبدأ والإصرار جعلا بعض المصورين يدفعون أثمانا باهظة كأرواحهم وحياتهم (في إشارة الى المصورين الذين فقدوا حياتهم بسبب الإعتداءات الإسرائيلية). يقول نقيب المصورين أن معاناة المصورين لا تقتصر على مواجهة الإعتداءات بل تتعدى ذلك الى المعاناة مع المؤسسات الإعلامية التي يعملون بها، والتي تجحف في إعطاء المصورين حقوقهم وبدل اتعابهم، كما أنها لا تعمل على تجهيزهم بوسائل الحماية المناسبة والدورات المختلفة، لتمكينهم أكثر في العمل الميداني عند تغطية الحروب. ,يحمل علوش جزءا من مسؤولية الوضع المأساوي للمصورين للمؤسسات الاعلامية ويطالبهم بإنصاف هؤلاء الجنود المجهولين الذين عانوا من الاعتداءات الاسرائيلية وكذلك يعانون من معاملة وسائل الإعلام السيئة لهم. 
وبالتالي، هناك تاريخ طويل من المواجهة بين الصحافة اللبنانية والجيش الإسرائيلي. ضحايا وشهداء سقطوا على مدى العقود الماضية بسبب عدم التزام إسرائيل المواثيق الدولية والحصانة التي يتمتع بها الصحافيون. يجمع كل هؤلاء الصحافيون على أن "الغصة" الأكبر هي في تفلت إسرائيل من المحاسبة والعدالة الدولية، غير أن الموقف واحد لا يتغير، وهو موقف ينبع من وطنية لبنانية غير متناهية مستمدة من حب الأرض وروح المواطنة بأن العمل الصحافي واجب ورسالة يجب أن يستمر مهما بلغت التحديات والأخطار.
تم انتاج هذا التقرير بدعم من الإتحاد الأوروبي ضمن زمالة تأثير النزاعات والحروب على تغطية الصحافة والإعالم ، وهذا المحتوى لا يعكس بالضرورة وجهة نظر الإتحاد الأوروبي.
Download Aljadeed Tv mobile application
حمّل تطبيقنا الجديد
كل الأخبار والبرامج في مكان واحد
شاهد برامجك المفضلة
تابع البث المباشر
الإلغاء في أي وقت
إحصل عليه من
Google play
تنزيل من
App Store
X
يستخدم هذا الموقع ملف الإرتباط (الكوكيز)
نتفهّم أن خصوصيتك على الإنترنت أمر بالغ الأهمية، وموافقتك على تمكيننا من جمع بعض المعلومات الشخصية عنك يتطلب ثقة كبيرة منك. نحن نطلب منك هذه الموافقة لأنها ستسمح للجديد بتقديم تجربة أفضل من خلال التصفح بموقعنا. للمزيد من المعلومات يمكنك الإطلاع على سياسة الخصوصية الخاصة بموقعنا للمزيد اضغط هنا
أوافق