وأضاف في منتدى الدوحة " ترسيخ العدالة: من الوعود إلى التقدم": ": "الحضور الكرام، نجتمع
اليوم، وعالمنا يشهد تفاقُماً غير مسبوقٍ للأزمات؛ ليس بسبب غياب الموارد أو المعرفة، بل بسبب غياب المساءلة، واستمرار النزاعات دون حلول عادلة، ما يشكّل تهديداً مباشراً للسلم والأمن الدوليين.
فعندما تُدار الأزمات؛ بمنطق القوة بدلاً من القانون. وحين يبقى المعتدي؛ بعيداً عن أي مساءلة، فإن النظام الدولي يتحوّل إلى ما يشبه "مجموعة من الوعود غير المنجزة".
السيدات والسادة، لقد كشفت التوترات المتلاحقة، أن إدارة الأزمات بحدّها الأدنى، أو الاحتفاظ بتوافق دوليّ مؤقت؛ دون معالجة جذور الصراع، لم يعد خياراً صالحاً. فالأزمات حين لا تحقق حلولها العادلة؛ تعود أشدّ تعقيداً، وتتمدّد إلى ما وراء حدودها. والتوافق المؤقت؛ لا يوقِف التاريخ، بل يؤجّل استحقاقاتِه.
لذلك نقول اليوم بثقة: الحلول العادلة وحدها، هي التي تصنع السلام المستدام، وتمنع استمرار دائرة النزاع والانقسام.
ويظل غيابُ المساءلة أحدَ أخطر مظاهر الاختلال في نظامنا الدولي، وهو ما يتجلّى في منطقتنا، فمعاناةُ الشعبِ الفلسطيني تحت انتهاكاتٍ صارخةٍ للقانون الدولي، والمآسي التي يشهدها السودان، من مجازر وانتهاكات جسيمة، تُبرز جميعها أن تحقيق العدالة، وحماية الحقوق شرطًا لا غنى عنه لصون استقرار المنطقة ومنع تفكّكها.
وفي
سوريا، وبعد سنواتٍ قاسية من غياب العدالة، يمضي الشعب السوري، في مسارٍ يأمل أن يقوده إلى التعافي، ضمن عدالةٍ انتقالية تعزّز التماسك ونبذ الطائفية، ما يهيئ الطريق نحو سلامٍ يطوي صفحة الماضي، ويستند إلى المشاركة والعدالة.
السيدات والسادة، إن ما تواجهه منطقتنا من تحديات، ليس معزولاً عما يشهده
العالم، من تراجع خطير في احترام القانون الدولي، والاستخدام المفرط للقوة دون محاسبة، وإضعاف دور المؤسسات الدولية. كلها عوامل تُنتج بيئة دولية، تتزايد فيها المخاطر، وتتآكل فيها ثقة الشعوب بالنظام العالمي.
إن عالمنا اليوم، يحتاج إلى إعادة الثقة في القانون، وإلى منظومة دولية أكثر عدلاً، وإلى تمكين المجتمعات والمنظمات الإنسانية، باعتبارها شريكاً أصيلاً في صنع مستقبل أكثر استقراراً وشمولاً. فالسلام الدائم، لا يتحقق بقرارات شكلية، بل بجهدٍ تشاركي يضع كرامة الإنسان في صميم كل السياسات.
الحضور الكرام، إن دولة قطر، تؤمن بأن العدالة ليست غاية سياسية فحسب، بل ركيزة أساسية لصون السلم الدولي، وترسيخ الاستقرار. ومن هذا الإيمان، تنطلق سياساتنا من تطابق القول مع العمل، ومن انسجام المبادئ مع الممارسة، ومن التزامٍ ثابت بمسؤوليةٍ دولية، لا نميّز فيها بين الأطراف، بل نقف فيها إلى جانب ما يخدم الإنسان، ويحفظ كرامته.
وسيراً على هذا النهج، تواصل دولة قطر دورها في الوساطة الفاعلة، باعتبارها أحد أعمدة سياستها الخارجية؛ فتبادر إلى فتح قنوات الحوار، وتوفير منصات تفاوض موثوقة، وتسهيل التفاهمات بين الأطراف المتنازعة. لقد أثبت سجل قطر من النجاحات في جهود الوساطة، والثقة التي يبديها المجتمع الدولي بالدور الذي تقوم به في تحقيق السلام، أن الوساطة ليست رفاهية ًسياسية، أو خياراً مصلحياً بالنسبة لنا، بل منهجٌ راسخٌ نمارسه بإخلاص، إيماناً بأن بناء السلام الحقيقي، يبدأ من الإشراك لا الإقصاء، ومن توسيع المساحات المشتركة، لا من تعميق الانقسام. وقد تجسّد هذا النهج بوضوح، فيما تم التوصل إليه بالأمس، حيث نجحت دولة قطر، بالتعاون مع شركائنا من النرويج وإسبانيا وسويسرا، في تحقيق اختِراقٍ مهم، بين حكومة كولومبيا وجماعة EGC المعلنة ذاتياً. فقد أتاح الاتفاق، فرصة حقيقية لتعزيز أمن الكولومبيين، وصون كرامتهم، ومنح المجتمعات المتأثرة بالنزاع، بارقة أمل عملية للخروج من سنوات العنف. كما فتح الباب أمام مسار سياسي منظّم؛ يهدف إلى نزع السلاح، ومكافحة انتاج المخدرات وتصديرها، وبناء سلام مستدام في إطار متفق عليه، بما يعيد الاستقرار إلى المناطق التي طالها الصراع. ويؤكد هذا التقدم، أن الوساطةَ الصادقة والمسؤولة قادرة على حماية المدنيين، وفتح الأبواب أمام سلام يرتكز على المسؤولية، والثقة والتزام الأطراف بما يخدم الشعوب". وختم: "السيدات والسادة، العالم لا يحتاج إلى مزيدٍ من الوعود، بل يحتاج إلى عدالةٍ يمارسها الجميع دون ازدواجيةٍ في المعايير، ومسؤوليةٍ يتحملها الكل دون محاباة، وشجاعةٍ تُترجَم الأقوالَ إلى أفعال. أتطلع أن يشكّل هذا المنتدى خطوةً إضافية في هذا الاتجاه، ومنصةً لتعميق التعاون بين الحكومات والمجتمعات والمنظمات الإنسانية، من أجل مستقبل أكثر إنصافاً وأمناً للبشرية جمعاء.
والسلام عليكم ورحمة
الله وبركاته".