في 5 من آب الجاري، اتّخذت الحكومة اللّبنانيّة قرارًا غير اعتياديٍّ: كلّفت قيادة الجيش وضع تصوّرٍ عمليٍّ لحصر السّلاح بيد الدّولة ونزع سلاح جميع التّشكيلات المسلّحة غير الحكوميّة، وفي مقدّمها "حزب الله". القرار، وإن بدا تقنيًّا، يحمل في طيّاته اختبارًا سياسيًّا وسياديًّا هو الأبرز منذ نهاية الحرب الأهليّة. فبين مقاربةٍ أميركيّةٍ تطلب الحسم السّريع قبل نهاية العام، ومقاربةٍ لبنانيّةٍ "تدرّجيّةٍ" تشترط المعاملة بالمثل وتجنّب الصّدام الدّاخليّ، يمضي الجيش لصياغة مسارٍ يعرض مطلع أيلول، فيما تعهّد "حزب الله" صراحةً برفض القرار واعتباره "رضوخًا لإملاءاتٍ خارجيّةٍ".
التّكليف الحكوميّ يمنح الجيش مهمّة إعداد خطّة انتشارٍ تدريجيٍّ تضبط كلّ سلاحٍ خارج إطار الدّولة، على أن تبقى المصادقة السّياسيّة شرطًا مسبقًا للتّنفيذ.
أفادت مصادر مطّلعةٌ في حديث إلى "المدن" أنّ "سلطة التّنفيذ تقع على عاتق الجيش: إعداد الخطّة، والانتشار، ومراقبة الحواجز، وتسلم الأسلحة وتفكيكها، ورفع تقاريرٍ دوريّةٍ؛ أمّا القرار النّهائيّ فيظلّ لدى مجلس الوزراء، ويدار بحوارٍ تقوده رئاسة المجلس والرّئيس جوزاف عون مع مختلف الأطراف، بينها "حزب الله"، لتأمين سقفٍ توافقيٍّ يمنع الصّدام". بهذه المعادلة، يراد للجيش أن يكون الذّراع المهنيّة لخيارٍ سياسيٍّ قيد التّشكّل، لا طرفًا في نزاعٍ داخليٍّ.
تنطلق الحكومة من "مقاربةٍ لبنانيّةٍ" تميّز نفسها عن طرح المبعوث الأميركيّ توم باراك، الدّاعي إلى نزعٍ فوريٍّ وكاملٍ لسلاح "حزب الله" وفق أربع مراحل تنتهي بحلول 31 كانون 2025، مقابل التزاماتٍ إسرائيليّةٍ واضحةٍ. في المقابل، تربط الخطّة اللّبنانيّة أيّ تقدّمٍ بإجراءاتٍ متبادلةٍ لضمان الاستقرار جنوبًا، وتتمسّك بتدرّجٍ جغرافيٍّ وزمنيٍّ يقلّص كلفة الاحتكاك الدّاخليّ. وأضافت المصادر أنّ "الفارق بين المسارين يتعلّق بالإيقاع والتّسلسل لا بالهدف؛ الصّيغة اللّبنانيّة تدار بجرعاتٍ محسوبةٍ وتحت سقف تفاهماتٍ محلّيّةٍ، مع إبقاء مسار المعاملة بالمثل على الحدود عاملًا حاسمًا".
تشير المعلومات المتداولة بأنّ الخطّة توزِّع العمل على ثلاث مراحل متتابعةٍ:
• الأولى: توسيع الانتشار شمال اللّيطانيّ حتّى نهر الأوّليّ (شمال صيدا) لإقامة عازلٍ إضافيٍّ بين الحدود والضّاحية. تستكمل إزالة المواقع غير الشّرعيّة وتنشأ نقاط مراقبةٍ وحواجز ثابتةٌ.
• الثّانية: بيروت الكبرى وجبل لبنان. وهي الأكثر حساسيّةً: ضبط حمل السّلاح داخل العاصمة ومخيّماتها عبر تفتيش مخازن محتملةٍ ومصادرة الأسلحة الثّقيلة والخطرة، بالاستناد إلى ترتيباتٍ قانونيّةٍ استثنائيّةٍ بالتّنسيق مع القضاء.
• الثّالثة: البقاع والشّمال حتّى الحدود الشرقيّة. هنا يتقدّم ملفّ ضبط التّهريب وإقفال خطوط الإمداد بالتّوازي مع حوارٍ أمنيٍّ–دبلوماسيٍّ مع دمشق واستكمال ترسيم الحدود.
ولكي لا تبقى العناوين عامّةً، تحدّد الخطّة مؤشّرات أداءٍ لكلّ مرحلةٍ: عدد المخازن المصادرة، كميّة الأسلحة المسلّمة طوعًا أو المضبوطة قسرًا، اتّساع رقعة المناطق الخالية من المظاهر المسلّحة، عدد الدّوريات والنّقاط المستحدثة، وانخفاض الحوادث المرتبطة بالسّلاح غير الشّرعيّ. وأشارت المصادر إلى أنّ "هذه المؤشّرات ليست تجميليّةً؛ ستستخدم لقياس التّقدّم ميدانيًّا، ولإقناع المجتمع الدّوليّ بأنّ المسار جدّيٌّ ويستحقّ التّمويل المستدام".