كتبت سلوى بعلبكي في النهار:
من سوء طالع اللبنانيين أنهم ما إن يخرجون من مأزق حتى يقعوا في آخر أشد إيلاما، وهو ما ينطبق على أهالي زحلة الذين ما إن نعموا بكهرباء 24 ساعة وبفاتورة واحدة، حتى عادوا الى حال من الارتباك والضياع والخوف من فقدان هذه النعمة، بعدما اقترب موعد انتهاء مدة امتياز كهرباء زحلة وآن أوان تسليم أمرهم الى كهرباء
لبنان العاجزة حتى عن الإيفاء بوعدها لنواب زحلة بتأمين
التيار بشكل متواصل لطريق ضهر البيدر الدولي، بدءا من 9 آب الماضي. الّلهم إلا اذا صدف مرور رئيس أو مسؤول ما مثل
الرئيس نبيه بري الذي زار بعلبك في ذكرى تغييب الامام
موسى الصدر، فأنيرت الطريق الدولية بسحر ساحر لليلة واحدة، ثم عادت الى طبيعتها "المظلمة" في الليلة التالية.
في 25 آب الماضي، وعد وزير الطاقة في حكومة تصريف الاعمال سيزار أبي خليل الزحليين بأن "وزارة الطاقة وضعت خطة عمل لكهرباء زحلة، بإبقاء التغذية 24 ساعة مع خفض التعرفة قبل رأس السنة الجديدة، موعد انتهاء امتياز الشركة". فهل يصدق وعده؟ وإلام يستند في تأكيده هذا؟ وإذا كان في استطاعته تأمين الكهرباء لزحلة 24 ساعة، فلمَ لا يؤمنها على الاقل للقرى والبلدات الـ12 التي هي خارج امتياز كهرباء زحلة وملاصقة للبلدات التي تتمتع بكهرباء 24 ساعة من الامتياز؟
"النهار" سألت أحد المعنيين في وزارة الطاقة عن وعد وزير الطاقة بتأمين التيار 24 ساعة لزحلة، فأكد أن "هذا الوعد غير جدي وغير واقعي وغير قابل للتطبيق إلا من خلال مخالفة القانون والدستور الذي ينص على المساواة بين المواطنين". ويسأل عن المصدر الذي سيتم عبره تأمين التيار 24 ساعة لزحلة، "هل عبر الامتياز الذي ستنتهي مدته في آخر السنة، أم عبر تراخيص الانتاج التي لم يتم تنظيمها حتى الآن؟" فالقانون 462 ينص على وجوب تنظيمها من خلال الهيئة الناظمة التي لم يتم تشكيلها بعد، مع الاشارة الى أن القانون رقم 288/2014، حاول استدراك عدم
التزام تعيين الهيئة الناظمة، فأجاز أن تمنح الأذونات وتراخيص الإنتاج بقرار من
مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزيري الطاقة والمياه والمال، بصورة موقتة ولمدة سنتين، والى حين تعيين أعضاء الهيئة واضطلاعها بمهماتها. كما عرض أكثر من مشروع للسماح للبلديات بإنتاج الكهرباء، لكنها لم تمر في
مجلس النواب.
إذاً، حتى الآن لا هيئة شرعية تعطي تراخيص، و"اي انتاج خارج مؤسسة الكهرباء سيكون عبر مشروع خاص مخالف للقانون مثل المولدات، أو كهرباء زحلة أو أي مشروع تقوم به البلديات، علما أن الاخيرة هي الجهة الانسب والاقل عرضة للمخالفة، لأنها لا تبغي الربح وتستطيع أن تؤمن أفضل الظروف البيئية المناسبة وتكون بعيدة عن السكن وتمديداتها منظمة ولا تتسبب بأي تشويه في المناطق، وهو ما يفعله نكد أيضا في زحلة، حيث التنظيم سيد الموقف".
ولكن هل يمكن التمديد لكهرباء زحلة، أو على الاقل من باب تسيير مرفق عام؟ يؤكد المصدر أنه "لا يمكن التمديد إلا بالقانون، لأنه منذ انشاء كهرباء لبنان أصبح الانتاج حصرا بالمؤسسة. أما اذا حصل التمديد فسيكون للتوزيع، ومن الأجدى إعطاؤه
الحق بالانتاج لكون إنتاجه حاليا مخالفا للقانون".
أما الحل الذي يبدو أقرب الى المنطق والواقع، فيمكن أن ينطلق في رأي المصدر "من كوننا في ظرف استثنائي، وبما أن المؤسسة لزمت التوزيع لمقدمي الخدمات، وبما أن عملية تشكيل الهيئة الناظمة لا تزال معقدة، يجب اعطاء اسعد نكد فترة معينة الى حين انشاء معامل انتاج، اي بمعنى آخر "تسيير مرفق عام"، وتكليف لجنة فنية مهمتها النظر في المآخذ على انتاج نكد والشروط التي يجب أن يلتزمها فنيا وبيئيا". وينهي كلامه بالقول: "هذا هو الحل الأنسب، لأن لا أحد لديه الجرأة المعنوية ليقطع الكهرباء عن زحلة التي اعتادت الكهرباء 24 ساعة".
نكد: الحل باللامركزية الادارية
لا مشكلة لدى رئيس شركة كهرباء زحلة المهندس أسعد نكد في المشاركة كقطاع خاص في انتاج الكهرباء. لكنه عمليا يدرك أن هذا القطاع ليس له اي دور على هذا الصعيد، وأكبر دليل على ذلك المعامل وبواخر الطاقة التي تعتمد على وزارة الطاقة. ويقول لـ"النهار": "يتحدثون منذ 10 أعوام عن إشراك القطاع الخاص، ولكن لم يحدث أي أمر في هذا الاطار، في ما عدا مقدمي الخدمات (التوزيع)، وعلى الرغم من ذلك ليس لديهم استقلالية أو صلاحيات، فنصف المسؤوليات لا تزال في يد مؤسسة الكهرباء".
من الحلول التي يقترحها نكد لتأمين التيار في كل المناطق "السير باللامركزية الكهربائية"، منطلقا بذلك من عدم وجود حل نهائي لزيادة التغذية، ومن وجود المولدات بحكم الواقع، "خصوصا أنهم سيكرسون وجودها مع نية تركيب العدادات". ويقترح في هذا السياق إعطاء البلديات دورا في انتاج الكهرباء التي يمكن أن تتفق مع القطاع الخاص، "بدل ان تدفع الدولة الملايين لاستئجار البواخر، فليوكلوا هذا الأمر الى القطاع الخاص أو البلديات".
وإذ يؤكد انه ضد مبدأ الخصخصة بالكامل، يقول: "هناك معامل موجودة، فلتبق مع مؤسسة الكهرباء، ولكن إذا ارادوا بناء معامل
جديدة، فمن الافضل تسليمها الى القطاع الخاص على طريقة الـ "BOT"، على أن يتسلم القطاع العام التوتر العالي فقط". ويستدرك: "كل هذه المشاريع والاقتراحات ستبقى كلاما في الهواء ما لم يتم انشاء الهيئة الناظمة التي لها الدور الاساسي في وضع استراتيجية القطاع واعطاء التراخيص وخلق التنافس"، مؤكدا أهمية وضع استراتيجية لخمس سنوات تكون واضحة وشفافة، وإطلاع اللبنانيين عليها بكل مراحلها، والاهم تسليم وزارة الطاقة الى خبراء ومختصين بالكهرباء".
يبقى السؤال عن مصير الموظفين بعد استرداد كهرباء لبنان لامتياز زحلة، وهنا يؤكد نكد أن ثمة 300 عامل لبناني يعملون لدى كهرباء زحلة يحصلون على حقوقهم كاملة، ويأسف لأن مصيرهم سيكون كمصير مياومي الكهرباء الذين كابدوا لضمهم الى مؤسسة الكهرباء، علما أنهم وعدوا بذلك بناء على امتحانات سيجرونها في مجلس الخدمة المدنية".
يونس: لا حل إلا بالهيئة الناظمة
المطالبة بتشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء لا تقتصر على نكد ومصادر وزارة الطاقة، فأحد مسؤولي شركات مقدمي الخدمات BUS المهندس نزار يونس لا يرى حلا لقطاع الكهرباء ما لم يتم تشكيلها، معتبرا أن الحل لمدينة زحلة والبلدات التي تفيد من امتيازها يمكن أن يكون البداية لمعالجة أزمة الكهرباء في لبنان، على أن يتطابق مع القانون ومصلحة الناس والخزينة.
ويقترح إسناد قطاع الانتاج الى أي شخص أو شركة، "على ألا يكون شخصا واحدا يحتكر الانتاج، بل يكون الامر لمصلحة كهرباء لبنان، ولكن المهم ان يكون سعر الكهرباء منافسا".
وفي حين يعتبر أن شبكة النقل "لا يمكن أن تكون الا بيد الدولة"، يشير يونس الى أن التوزيع يمكن أن يكون عبر تقسيم لبنان الى مناطق عدة واعطاء امتياز التوزيع للقطاع الخاص: "الموزع يتسلم الكهرباء من الدولة بسعر معين ويبيعها للمواطن بسعر متفق عليه مسبقا، علما أن كلفة الكيلوواط في
العالم تراوح بين 13 و25 سنتا، لكنها تبقى أقل من تلك التي يدفعها الموطن في لبنان عبر استخدام مصدرين للطاقة".
وماذا عن الحل لامتياز زحلة؟ يوضح يونس ان "كهرباء زحلة موجودة وفقا لصيغة قسم منها قانوني (امتياز)، وقسم آخر فرضته الظروف وأصبح مشرعا بالامر الواقع. لذا، وبما انه ينتج الكهرباء 24 ساعة لمنطقة زحلة، فيمكنه بيع هذا الانتاج للدولة التي تضعه على
الشبكة، ثم تعطيه الكمية الكافية لتأمين الكهرباء 24 ساعة، وتعطيه امتيازا بالتوزيع وتفرض عليه تعرفة توجيهية معينة تكون موحدة في كل لبنان. وهذه التجربة في رأيه "يمكن أن تكون اشارة الى ما يمكن أن يكون عليه الحل على مستوى لبنان كله مستقبلا".
مقارنة بين كهرباء زحلة وكهرباء لبنان
100 % الجباية لدى كهرباء زحلة
40 % الجباية لدى كهرباء لبنان
5 % نسبة التعديات في نطاق كهرباء زحلة
50 % التعديات في نطاق كهرباء لبنان