مداولات دولية لتقسيم فدرالي في لبنان والعراق وسوريا

2015-05-12 | 07:58
مداولات دولية لتقسيم فدرالي في لبنان والعراق وسوريا
"السفير" 
لم يعد الأميركيون أو الأوروبيون يجدون حرجاً في السؤال عن الفدرالية في لبنان!
وفي المقابل، لن يكون غريباً أن تجلس مع مجموعة سياسية لبنانية تناقش إمكانية تطبيق هذه الصيغة، وفق سيناريوهات متعددة، لكنها تبقي جوابها متصلاً بما ستؤول إليه تطورات المنطقة، وتحديداً مستقبل العراق أولا وسوريا ثانيا.
وليس خافياً على كثيرين من أهل السياسة والفكر في لبنان، أن العديد من مراكز الأبحاث والدراسات الأميركية مثل معهد بروكينغز، ويلسون سنتر، مؤسسة كارنيغي، خصصت بعض حلقاتها البحثية، بحضور ديبلوماسيين أجانب وعرب، لمناقشة سيناريوهات التقسيم والفدرالية، أو استمرار واقع التشرذم والتفتيت الحالي، وذلك استناداً إلى منظومة مصالح دولية وإقليمية ومحلية، بدا أنها تتقاطع حيناً عند هذا الخيار أو ذاك، وتتعارض في أحيان أخرى.
ولم يكن غريباً على شخصيات لبنانية احتلت مناصب رسمية بارزة في الأمس القريب، أن تطرح على مسامعها، على هامش منتديات دولية مثل دافوس واجتماع ميونيخ الأمني، مقاربات من بعض الفاعلين في «مطابخ» السياسات الإقليمية والدولية، وبينهم من كان يحتل موقعاً بارزاً في «الناتو»، حول الصيغ المحتملة للفيدرالية في كل من العراق وسوريا ولبنان.
فهل الفدرالية التي خرجت من حسابات البعض لبنانياً مع ولادة اتفاق الطائف في العام 1989، يمكن أن تعود إلى «أجنداتهم» اليوم، برغم إرادة أغلبية اللبنانيين التواقة إلى الاستقرار والوحدة الوطنية والشراكة والتعايش؟
وهل يكون نسف اتفاق الطائف هو الممر الإلزامي لهذه الطروحات التي كانت حتى الأمس القريب من المحرمات في الأدبيات السياسية اللبنانية؟
وهل لهذا «النسف» أن يحصل «على الحامي» أم «على البارد»، وهل كان يمكن لحديث التقسيم أو الفدرالية في كل من العراق وسوريا ـ وحتى في اليمن مؤخرا ـ أن يرد في ذهن البعض إلا بعد انكشاف حجم هذا الدمار والموت والدم والدخان الذي لا حدود له، بمعزل عن المسببات؟
تجاوز الأمر حدود التنظير مع قرار الكونغرس الأميركي الأخير بتسليح سنّة العراق وأكراده من دون العودة إلى حكومتهم المركزية. أيضا، لم يعد خافياً على أحد أن دولاً خليجية طرحت عشية «عاصفة الحزم»، وبعدها، سيناريوهات لتقسيم اليمن، على قاعدة أنه إذا كان الإمساك باليمن كله متعذراً، فليكن بنصفه أو أقل. «الأساس أنه لن يكون مسموحاً بنفوذ مطلق لإيران وحدها في يمن موحد»!
وبين المستجد عراقياً أو يمنياً، كان الرئيس السابق للائتلاف السوري معاذ الخطيب أول من رفع الصوت عالياً قبل نحو سنتين محذراً من سيناريوهات دولية وإقليمية جاهزة لتقسيم سوريا.

أسئلة أميركية
ومن يطلع على المناقشات الأميركية في الشأنين العراقي والسوري يجد نفسه أمام هذه «العينة» من الأسئلة والهواجس:
• هل حان الوقت لتشريع الانقسام الحاصل في النفوس وعلى الأرض؟ هل يأتي التقسيم بالاستقرار أم بالويلات مستقبلا، خصوصاً أن ثمة مناطق عديدة مختلطة في كل من العراق وسوريا (نموذجا بغداد ودمشق)؟
• هل يكون تقسيم كل من العراق وسوريا هو الحل لمشاكلهما أم يؤدي إلى حروب جديدة مادتها الأساس الأيديولوجيات والنفط والماء؟
• كيف يمكن أن تنشأ أوعية اقتصادية متكاملة إلى جانب الأوعية السياسية الجديدة، ففي العراق على سبيل المثال لا الحصر، يملك الشيعة ثروة بترولية كبيرة بينما لا يملكون المياه الموجودة في القسم الشمالي (السني) الذي يحتوي على أهم نهرين وهما دجلة والفرات؟
• ماذا يضمن أن لا يؤدي التقسيم، إذا حصل، إلى هجرات سكانية وتغييرات ديموغرافية بالترافق مع حوادث أمنية كبيرة جدا، على غرار ما حصل من نزوح لأكثر من عشرة ملايين على حدود باكستان ـ الهند بعد تقسيم الأخيرة في العام 1947، أو كما حصل في جنوب السودان في السنوات الأخيرة؟
• إذا كان أكراد العراق يملكون مقومات دولة شبه مكتملة العناصر (طبعا بعد وضع يدهم على حقول كركوك الغنية بالنفط)، هل يسمح لهم جيرانهم في سوريا وتركيا وباقي مكونات العراق (وحتى إيران) بإنشاء دولة كردية مستقلة؟
واللافت للانتباه في معرض طرح هذه الأسئلة أنها عندما تتناول «النموذج اللبناني»، تتوقف عند عناصر مثل الجغرافيا والديموغرافيا والبحر والحدود والنفط والمياه، لكن يبقى العنصر الحاسم هو إمكان وجود ما تسمى «مناطق صافية» لهذه أو تلك من الطوائف اللبنانية.
وليس طرح الفدرالية في لبنان بأمر جديد، ففي زمن الحرب الأهلية، حفلت أدبيات فريق سياسي لبناني وازن («الجبهة اللبنانية») بطروحات واضحة، غير أن تسوية اتفاق الطائف، أقفلت هذه الصفحة، من دون أن تلغي معضلة علاقة المسيحيين بالنظام السياسي الجديد، ربطاً بتحولات ديموغرافية وسياسية (مثل الإبعاد والاعتقال) واقتصادية، كان أبرزها «تلزيم» الوضع المسيحي لرفيق الحريري بعد العام 1992 بوكالة حصرية أعطاها له الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وخسر بنتيجتها المسيحيون قيمة مضافة تاريخية (قدرتهم وحدهم على مخاطبة الغرب).
وإذا كانت «الحقبة السورية»، بعد الطائف، قد ساهمت في تفاقم المعضلة السورية عبر الإدارة الخاطئة للتوازنات من جهة، واعتماد «عدة» مستهلكة تاريخياً ولا تعكس بدقة التمثيل المسيحي الصحيح من جهة ثانية، فإن الممارسات التي «حفلت» بها الحقبة الممتدة من العام 2005 حتى الآن، تشي بمصادرة منمقة للتمثيل المسيحي بعناوين «تيارات عابرة للطوائف» ولكن بمضمون إقصائي جعل عدداً كبيراً من النواب والوزراء المسيحيين بمثابة «أُجراء» عند باقي الطوائف، فيما كان المس بمواقع هذه الطوائف من الفئة الأولى وحتى العاشرة يعتبر من قدس الأقداس!
في هذا السياق، هل ثمة من يحضّر البيئة المحلية للسيناريوهات التي تقرر عادة في الخارج؟

«الأرثوذكسي» والفدرالية
يشكل طرح «القانون الأرثوذكسي» ألفباء الاستعداد اللبناني، خصوصاً في ضوء وقائع ومتغيرات تتصل بضيق الرقعة الجغرافية وبالواقع الديموغرافي والتداخل السكاني والحياتي وكلها عناصر تشابك، نحو مقاربة تستند إلى فيدرالية طوائفية لا جغرافية، يشكل قانون الانتخاب مدخلها الإلزامي، بحيث تنتخب كل طائفة نوابها على أساس النسبية، وبالتالي تتشكل كتلتان نيابيتان داخل كل طائفة، فضلا عن مستقلين يحدد نسبتهم نصاب الإبعاد.
وما يسري على التمثيل النيابي ينسحب على رئاسة الجمهورية (الأكثر تمثيلا) وعلى آلية تسمية رئيس الوزراء (من الكتلة الأكثر تمثيلا لبيئة رئيس الحكومة) ويكون التأليف مناسبة لإنتاج تحالفات بين الكتل، فتتشكل حكومة أكثرية نيابية إلا إذا قرر رئيسها أن تكون حكومة وحدة وطنية من كل الكتل النيابية.
يسري ذلك أيضا على مواقع الفئة الأولى وعلى مقاربة مختلفة للامركزية الإدارية لا تختلف عن تلك التي تم تكريسها في نصوص اتفاق الطائف، ولو اختلفت تفسيراتها بين أهل الاتفاق نفسه.
لقد سبق لسمير جعجع أن حاول في مطلع التسعينيات «مقاومة» التفويض، لكنه لم ينجح. ما يحاوله العماد ميشال عون منذ عشر سنوات، هو «الكسر الاستراتيجي» لواقع صار عمره ربع قرن، أي استرداد الوكالة الحصرية التي أعطاها شيراك والغرب الى الحريرية السياسية في لبنان.
هنا، يحاول «الجنرال» و «الحكيم» إيجاد مساحة مشتركة بعنوان «الشراكة» من ضمن الطائف. هذه الصيغة بالنسبة اليهما، أفضل من الفدرالية، «فثمة فريق إسلامي يريد عبر الطائف أرجحية لموقع رئاسة الحكومة، فإذا وقعت الفدرالية، خسر هذه الأرجحية، سواء الفدرالية الانتخابية (القانون الأرثوذكسي) أو الجغرافية المستبعدة في النموذج اللبناني، ناهيك عن اختلاف اللبنانيين على عنصرين كان يفترض أن يكونا موحدين لهما في الصيغة الفدرالية، وهما السياسة الخارجية والسياسة الدفاعية، فتبقى بذلك الليرة وحدها قاسماً حقيقياً مشتركاً بينهم.
وعلى الأرجح، لن يكرر العماد ميشال عون تجربة البطريرك الماروني السابق نصرالله صفير، الذي قال في مطلع التسعينيات «إذا خيّرنا بين الحرية والتعايش نختار الحرية»، فخرج في المحصلة خاسراً الاثنين معاً. من هذه الزاوية، يريد «الجنرال» من الحوار مع حلفائه ومع خصومه، وخصوصاً «القوات»، ما يسميه «استنفاراً وطنياً سعياً لإنقاذ الطائف بالصيغة الميثاقية لأن البديل هو المجهول».. في غياب أي مسار حاسم سواء عراقياً أو سورياً حتى الآن.
وفي انتظار تبلور معركة الإقليم المحتدمة من القلمون إلى عدن مروراً بدمشق وبغداد وساحات إقليمية أخرى، يضع كل من ميشال عون وسمير جعجع، نفسه على تقاطع دائري عريض، يتفاهمان فيه على عناوين استراتيجية مثل القانون الانتخابي (الأرثوذكسي نموذجاً)، لكن لا يريد كل واحد منهما إلزام الآخر بخياره الاستراتيجي الإقليمي، باعتباره «وصفة انتحارية».. ولكن كما في نهاية كل معركة، لا بد من رابح وخاسر، فإذا ربحت سوريا وإيران و «حزب الله» فستكون هناك «مبروك» كبيرة من معراب للرابية.. وإذا ربحت السعودية وتركيا وباقي مكوّنات هذا المعسكر، فسيحصل العكس.
هذه السيناريوهات يجب أن يضعها اللبنانيون في الحسبان، ليس من زاوية التخويف بل من حيث صنعت لهم «الدول» كياناً قبل عشرة عقود من الزمن.. وهي التي تعيد رسم خرائط المنطقة من جديد اليوم.
الخوف الكبير أن تأتي لحظة سياسية ما.. ولا يكون اللبنانيون مهيئين لسيناريوهات كهذه، فيكون لا بد من فرضها عليهم بالحديد والنار، حتى لو كانت إرادتهم تشي بغير ذلك.. والتجارب كثيرة عبر العصور.
لنأمل ألا تتغير حدود دولتنا وباقي الدول.. وأن يكون أقصى المتاح هو منح ما تسمى «الأقاليم» في عدد من دول المنطقة سلطات إدارية كبيرة، فننجو من التفتيت الزاحف من حول وطننا.
اخترنا لك
الذكرى الـ36 لإغتيال الرئيس رينيه معوض
11:47
وفد مجلس الأمن الدولي: نُقرّ بالتقدم الذي حققَه لبنان وندعو إلى تعزيز دعم الجيش
11:33
سلام يلتقي بيل غايتس.. ودعوة الى بيروت
11:19
سلام: نحن بحاجة لقوة اممية لسدّ فراغ "اليونيفيل"
11:01
المعتدون على اليونيفيل في قبضة مخابرات الجيش
10:17
سعيد يغرد.. وادرعي يرد!
10:01
إشترك بنشرتنا الاخبارية
انضم الى ملايين المتابعين
Download Aljadeed Tv mobile application
حمّل تطبيقنا الجديد
كل الأخبار والبرامج في مكان واحد
شاهد برامجك المفضلة
تابع البث المباشر
الإلغاء في أي وقت
إحصل عليه من
Google play
تنزيل من
App Store
X
يستخدم هذا الموقع ملف الإرتباط (الكوكيز)
نتفهّم أن خصوصيتك على الإنترنت أمر بالغ الأهمية، وموافقتك على تمكيننا من جمع بعض المعلومات الشخصية عنك يتطلب ثقة كبيرة منك. نحن نطلب منك هذه الموافقة لأنها ستسمح للجديد بتقديم تجربة أفضل من خلال التصفح بموقعنا. للمزيد من المعلومات يمكنك الإطلاع على سياسة الخصوصية الخاصة بموقعنا للمزيد اضغط هنا
أوافق