لفت البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال ترؤسه قداس عيد العنصرة في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي الى ان "جيلنا يفتقر إلى الصلاة بنوع خاص. فالإنسان الذي لا يصلي، لا يعبد الله بل ذاته؛ ولا يصغي إلى صوت الله بل إلى مصالحه؛ ولا يسمع حاجات الناس بل أنانيته ومكاسبه غير المشروعة؛ ولا يتردد في أعماقه صدى صوت لبنان الحضاري ذي الخصوصية الراقية، بل صدى الروح الطائفية والمذهبية المستوردة والبغيضة."
وتابع الراعي في عظته: "هنا مكمن الفساد السياسي والمالي والإداري عندنا. وهذا ما أوصل بلادنا إلى الإفلاس، وإلى المأساة المعيشية والاجتماعية التي نعيشها. وهذا ما شوه وجه لبنان الشراكة والرسالة والدولة المدنية الوحيدة في الشرق، التي تفصل بين الدين والدولة، من دون أن تفصل بينها وبين الله".
وتابع: "الدولة المدنية في لبنان تحترم جميع الأديان وشرائعها وتضمنها، كما تنص المادة التاسعة من الدستور. فلا دين للدولة في لبنان، ولا أي كتاب ديني مصدر للتشريع المدني، ولا استئثار لأي مكون من مكوناته بالسلطة السياسية بكل وجوهها. أما خصوصية الدولة المدنية في لبنان فهي نظامه الديموقراطي، وحرياته العامة، وميثاقه الوطني للعيش معا، مسيحيين ومسلمين، بالولاء الكامل والاستئثاري للوطن اللبناني، وهذا الميثاق هو روح الدستور، وهو مترجم في صيغة المشاركة المتساوية والمتوازنة في المؤسسات الدستورية والإدارات العامة".
وأضاف الراعي: "نرفض أن تتحول عملية تطوير النظام اللبناني إلى ذريعة للقضاء على لبنان، هذا الخيار التاريخي بخصوصياته. إن لبنان الدولة المدنية والشراكة والرسالة موجود منذ مئة سنة. فلا يخترع اليوم من العدم والفراغ. كان لبنان قبل أن نكون، وسيبقى بعدنا. لبنان أمة موجودة في التاريخ والحاضر، وفي الجغرافيا والوجدان، وقد تأسست بالإرادة والنضال. وحدها الحقيقة التاريخية تبقى، أما الباقي فمرحلي وزائل. لذا يدعونا الواجب للدفاع عن هذا الكيان. نذرنا أنفسنا للبنان حرا وللبنانيين أحرارا. معا يعيشون، ومعا يقاومون كل احتلال وتعد، بقيادة الدولة وشرعيتها وجيشها."
وشدد الراعي على ان "لبنان كقيمة ثمينة لا يزال يثير اهتمام الأسرة الدولية، وبالتالي ليس دولة متروكة ومستباحة. فلا يحق للجماعة السياسية أن تتصرف في شؤون البلاد والمواطنين بقلة مسؤولية، وبذات الروح التي أوصلت الدولة إلى الحضيض".