عندما شربنا الشاي مع مسلّحي طالبان في أفغانستان

2016-12-12 | 02:39
views
مشاهدات عالية
عندما شربنا الشاي مع مسلّحي طالبان في أفغانستان
عدنان الخياط
 
 
نودي على ركاب طائرة كابول للتوجه إلى البوابة رقم 18. كنت أحد المُنادى عليهم، وكان ذلك في مطار دبي في السابعة من صباح يوم 3 مايو 2007. وكان معظم الركاب جنود أميركيين من مختلف الأعمار والألوان، بالإضافة إلى سيدة أربعينية أميركية وحى مظهرها أنها مثقفة.
ركبنا الحافلة إلى طائرة “طيران كام” العتيقة، ثم صعدنا للطائرة حيث أُجلست فيها إلى جانب السيدة المثقفة. حييتها ثم أطبقت عينيّ ونمت. أيقظتني الجارة الأميركية لدى بدء خدمة الفطور. شكرتها وهممت بالنوم مرة أخرى، فأحبطت محاولتي وباغتتني بالسؤال “من أين أنت؟ وهل هذه زيارتك الأولى لأفغانستان؟” أجبتها أني لبناني، وكانت زيارتي الأولى بالفعل. ثم سألتها “وأنتِ؟!” فأجابتني أنها أميركية، وتعمل لصالح منظمة إنسانية لمساعدة الأرامل، وأضافت أن هذه هي سنتها الثالثة “في هذا البلد الخطِر والبشع”! ثم سألتني عن السبب الذي أتى بي إلى أفغانستان وأين سأقيم. أجبتها أني أتيت لفرصة بزنس، وسأقيم في فندق سيرينا. فقالت “البزنس ممكن، ولكنه محفوف بالمخاطر، أما فندقك الذي يملكه الأغاخان، فلا تفارقه إلا للمطار، فهو حديقة جميلة وسط مطمر نفايات. وبإمكانك مقابلة الناس داخل فندقك، فليس هناك في كابول ما يدعو للخروج من سيرينا.”
 
حطّت بنا الطائرة في مطار كابول حيث كان ينتظرني خواجا صفا شريفي مرافقي الأفغاني الموفد من رئاسة الجمهورية. ركبت السيارة إلى جانب خواجا صفا الذي يتكلم العربية مثل سيبويه، والذي استهل كلامه بوصف فندق سيرينا لي. قاطعته وقلت له “لا يهمني سيرينا بقدر ما يهّمني البلد وشعبه.” وبُحتُ له عن رغبتي بأن أتعرّف على أفغانستان وأهله، قبل سيرينا. تحمّس خواجا صفا وخرج عن تحفّظه، وقال إن “الشعب الأفغاني ودود ومضياف ويحترم الزائر ويحميه إضافة إلى أن البلد ممتع وآمن، وهو خزان حضارات وعمارة نادرة وطبيعة ساحرة”، وأضاف قائلًا إن “الصورة التي يسوقها الإعلام الغربي عن أفغانستان ظالمة ومضللة ولا تمُتّ إلى الحقيقة بصلة. وبالرغم من أنه غير مصرّح لي أن أقول لك ذلك، إلا أني تجرأت وقلت لك ما قلته لأني شعرت بالأمان وأردت أن أنصف بلدي وشعبي.”
 
سألت خواجا صفا إذا كان ممكنًا أن يجول بي في كابول قبل أن نتوجه للفندق، فوافق بحماس شديد، وغيّر اتجاه السيارة. أشار إلى تلة عليها بنا واسع وقال إنها حدائققصر بابو الذي بنى تاج محل في الهند لزوجته شاه جيهان.. “وهذا مسجد العيد وتلك مدرسة بناها المغول.. وهذا وذاك وتلك..” وقال لي إن كابول تحتاج إلى شهر لزيارة معالمها التاريخية وارتياد أسواقها.
 
ثم توجه خواجا صفا إلى الفندق ليسلمّني له. وصلنا إلى الفندق في الساعة الخامسة عصرًا، وكان يوم ثلاثاء. وقال لي خواجا صفا إنه سيكون في الردهة تحت الطلب في أي وقت. شكرته وصرفته، على أن نلتقي صباح الغد، لكي نتوجه إلى موعدي الأول في تمام الساعة العاشرة.
 
وفي صباح اليوم التالي في المطعم، حيّاني رجل ستيني بالايطالية، واستأذن أن يجالسني. رحّبت به، فجلس وقدّم نفسه “باولو منياني”، وسألني عن نفسي بالإيطالية. أجبته بالإنجليزية أني وصلت بالأمس وباق لمدة أسبوع. وقال إنه مهندس ميكانيكي، ويسكن في الفندق منذ سنتين حين قبل وظيفة استشارية مع الفاو تتطلب التنقل البري في أفغانستان، وهي مهمة يأباها معظم المهندسين الغربيين. وأضاف أنه أرمل ومتقاعد عمره 63 سنة، وأنه لفّ أفغانستان ولم يعد لإيطاليا من سنتين، أمضى خلالهما أعياد الميلاد ورأس السنة في أفغانستان. ووصف أفغانستان بأنه “بلد آمن وخلاب، وأهله كرماء بالرغم من فقرهم.” وسألني إن كان لديّ رغبة في السياحة في أفغانستان بعد انتهاء عملي. فوافقت من فوري. فقال “حسنًا، الخميس يوم عمل قصير والجمعة عطلة. نغادر ظهر غد إلى مدينة مزار شريف التي تبعد حوالي 430 كم عن كابول ونعود مساء الجمعة.” قلت لباولو “معي سيارة وسائق من رئاسة الجمهورية.” فقال إنه “بهكذا سيارة، قد نُستهدف”، وقال إنه سيتدبر سيارة أجرة من موقف مزار شريف. اتفقنا وأخبرته أنه ليس لديّ أي مقابلات عمل في يوم الخميس.
 
أخبرت خواجا صفا بعزمي على الذهاب إلى مزار شريف مع باولو في سيارة أجرة، فقال لي “هذا عين العقل.. سفرة آمنة وتعود بالبركات. ستُسرّ كثيرًا، حيث أن مزار شريف مدينة تاريخية جميلة وآمنة.”
وفي صباح الخميس حضر باولو إلى الفندق بصحبة سائق اسمه زهور السلام لا تفارق البسمة وجهه. انطلقنا شمالًا على الطريق السريع، وبعد 30 كم من خروجنا من كابول، استوقفنا حاجز للبوليس الأفغاني. وسأل العسكري زهور السلام عن الوجهة، ثم أشار لزهور بالمتابعة بعد سماعه مزار شريف. وبعد ذلك بحوالي 40 كم، واجهنا حاجز لطالبان. توقف زهور وجاءه مسلح سائلًا عنّا وعن وجهتنا. أجابه زهور مشيرًا إليّ أنني عربي مسلم، وإلى باولو أنه إيطالي مسيحي. لاحظت ارتباكًا على وجه المسلح الطالباني، بينما هو يتكلم مع زهور السلام. سألت زهور: “ما المشكلة؟” فأجابني أن المسلح الطالباني يقول “إن المسيحي غير العربي ملتحٍ، بينما أنت المسلم العربي حليق، واللحية سُنّة!” فقلت لزهور إني أعده أن ألتحي (وهكذا فعلت لاحقًا).” سُرّ خاطر الطالباني، فضيفّنا شايًا، وأوصى زهور بنا.
مررنا بعد حاجز اللحية بستة حواجز لطالبان، كان علينا في كلٍّ منها تناول الشاي وتبادل البسمات. وأخيرًا وصلنا مزار شريف في حوالي الساعة الواحدة ظهرًا. اقترح زهور أن نزور الجامع الأزرق والكتاب خانة والمتحف قبل المغرب، وهكذا فعلنا. وبعد المغرب توجهنا إلى فندق بران حيث حجز باولو ثلاث غرف. رفض زهور السلام رفضًا باتًا أن يسكن معنا في نفس الفندق، معللًا ذلك بالعربية، “أنا في خدمتكم ولا يمكن أن أتساوى معكم، سأذهب إلى نزل رخيص يساوي مقامي.” وهكذا فعل بالرغم من إصرارنا على البقاء معنا في نفس الفندق.
 
وفي صباح اليوم التالي، ذهبنا إلى سوق البهارات وسوق السجاد وسوق الفضة. وفي سوق الفضة اقترح زهور أن أشتري خاتمًا “يقي من الرصاص”! وافقت واشتريت ثلاثة خواتم، واحد يقي من الرصاص، والثاني يجلب السعادة، والثالث يضلل الأعداء. تغدينا في السوق وعدنا إلى كابول عبر سبعة حواجز لطالبان، تناولنا في كلٍّ منها الشاي وتبادلنا البسمات مع المسلحين.
 
شكرًا باولو! هل لا زلت في أفغانستان؟ وهل ستمضي عيد الميلاد المجيد ورأس السنة القادمة في أفغانستان؟ كل عام وأنت وأفغانستان بخير.
 
عندما شربنا الشاي مع مسلّحي طالبان في أفغانستان
اخترنا لك
جولة السفراء وكواليسها.. بلسان السفير على "الجديد" | في النشرة بعد قليل
12:43
بديل اليونيفيل | في النشرة المسائية بعد قليل
12:30
ملف لبنان إلى أبراج باريس السياسية | التفاصيل في نشرة الأخبار بعد قليل
12:27
وزيرا خارجية تركيا والأردن يؤكدان ضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيلية على أراضي سوريا وسيادتها
09:28
باراك بعد اجتماعه بنتنياهو: حوار بناء يهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار الإقليميين
09:19
بعد هجوم سيدني.. رئيس الوزراء يزور أحمد الأحمد
08:24
إشترك بنشرتنا الاخبارية
انضم الى ملايين المتابعين
Download Aljadeed Tv mobile application
حمّل تطبيقنا الجديد
كل الأخبار والبرامج في مكان واحد
شاهد برامجك المفضلة
تابع البث المباشر
الإلغاء في أي وقت
إحصل عليه من
Google play
تنزيل من
App Store
X
يستخدم هذا الموقع ملف الإرتباط (الكوكيز)
نتفهّم أن خصوصيتك على الإنترنت أمر بالغ الأهمية، وموافقتك على تمكيننا من جمع بعض المعلومات الشخصية عنك يتطلب ثقة كبيرة منك. نحن نطلب منك هذه الموافقة لأنها ستسمح للجديد بتقديم تجربة أفضل من خلال التصفح بموقعنا. للمزيد من المعلومات يمكنك الإطلاع على سياسة الخصوصية الخاصة بموقعنا للمزيد اضغط هنا
أوافق