"حوالي الساعة الثالثة والنصف فجراً، استيقظنا على صوت الباب يقرع، صوت مألوف طلب منا أن نفتح الباب، وما ان فتحناه حتى اقتحمت مجموعة من المسلحين المنزل وبدأوا يذبحون الأطفال"، بهذه الكلمات عبرت سيدة منعتها الدموع من إتمام جملتها أو حتى التعريف عن نفسها عمّا حدث، لحظات من الانتظار ويقفل خط الهاتف الذي كانت تحدثنا منه.
في المستشفى الوطني في السويداء يجتمع المئات من سكان قرى "رامي السويمرة، الشبكي، الشريحي، المتونة وغيرها في الريف الشرقي للسويداء لتشييع شهدائهم، أو الاطمئنان على الجرحى.
يبدو سؤال الناجين عن تفاصيل ما جرى كطعن سكين في جرح لم يقطب بعد، خصوصاً لمتحدث عبر الهاتف، تقول سيدة باقتضاب " مجزرة، قتلونا وذبحونا"، يتبعه صوت رجل من بعيد " غدرونا البدو".
الصحافية جمانا حمدان، ابنة مدينة السويداء تشرح خلال حديثها إلى موقع
قناة "الجديد" أن سكان هذه القرى الواقعة على تخوم البادية شرق السويداء اعتادوا على ارتياد البدو الذين يعيشون في البادية القريبة لقراهم، حيث نشأت بينهم علاقات متينة، قبل ان يغدر البدو بهم.
بعد نقل مسلحي "
داعش" من منطقة مخيم اليرموك إلى البادية، تمكن مسلحو التنظيم من تشكيل نواة قوية لهم في المنطقة الصحراوية بمساعدة عناصر من التنظيم كانوا ينشطون في المنطقة من الأساس بالإضافة إلى مساهمة قوية من البدو.
وبحسب شهادات الناجين، فقد قام أفراد من البدو بدخول القرية بصحبة مسلحي التنظيم، وقرعوا الأبواب على السكان ونادوهم بأسمائهم ما ساهم بارتكاب مجزرة دون ضجة في بدايتها حيث قام مسلحو التنظيم بدخول المنازل وذبح السكان دون ضجيج.
عشرات المسلحين من التنظيم اخترقوا القرى التي شهدت المجازر دون أية مقاومة، مستفيدين من عدم وجود نقاط تفتيش من جهة، بالإضافة إلى الظلام الحالك في المنطقة بسبب انقطاع الكهرباء. ومع انقطاع الكهرباء تنقطع الاتصالات أيضاً، الأمر الذي منع الأهالي من طلب العون بداية المجزرة.
مع شيوع نبأ المجزرة، وحركات النزوح التي شهدتها القرى هبّ سكان السويداء لنصرة الشرق المنكوب، عشرات السيارات تقل شباناً ورجالاً وصلت إلى القرى، حيث وقعت عدة معارك مع مسلحي التنظيم انتهت بمقتل نحو 50 مسلحاً وفق شهادات الأهالي.
الأطباء الذين عاينوا جثامين
الشهداء والجرحى أكدوا أن مسلحي التنظيم ارتكبوا معظم جرائهم عن طريق الرصاص، وبضرب الضحايا بأخمص البنادق، بالإضافة إلى عمليات الذبح.
إحدى عمليات الذبح التي وقعت ذهبت ضحيتها عائلة كاملة، أمّ وأبناءها تم وضعهم في "بانيو" الحمام وذبحهم بهدوء.
بكلمات متقطعة، تروي سيدة فقدت أبناءها امام عينيها ما جرى" عندما دخل البدو والمسلحين عرضت عليهم المال والذهب ليرحلوا ويتركونا، فانتقموا مني بأن قاموا بقتل أطفالي أمام عيوني وتركوني على قيد الحياة".
شهادات الأهالي تقاطعت بأن ما جرى هدفه قتل أكبر عدد ممكن من الأهالي، ارتكاب مجزرة يمكن أن تكون الأكبر في
سوريا، حيث لم يقم المسلحين بسرقة المنازل، ولم يسألوا عن ذهب أو مال.
في غضون ذلك، وفي تمام الساعة الخامسة والنصف فجراً، تقريباً، بدأت الانفجارات تتوالى في مدينة السويداء، خمسة انفجارات متتالية نفذها ستة انتحارين استهدفت مناطق في المدينة أبرزها حي المسلخ الذي استهدف تفجيرين نفذهما انتحاريين يرتديان أحزمة ناسفة، وقرب سوق الخضار، ما تسبب بشهداء وجرحى وحالة بلبلة وفوضى في المدينة، ورغم ذلك تمكن الأهالي من القبض على انتحاري
سابع كان يحاول تفجير نفسه.
أمام المستشفى الوطني قام الأهالي بشنق مسلحين، الانتحاري الذي قبضوا عليه، ومسلح تمكنوا من القبض عليه خلال معارك الريف.
انقطاع الاتصالات الذي شهدته مناطق الريف يوم المجزرة، وحركات النزوح، وعمليات اسعاف الجرحى تسببت بخلط كبير في أعداد الضحايا، حيث تداولت بعض
وسائل الإعلام أرقاماً مضاعفة لعدد الضحايا والجرحى.
مسؤول في مديرية صحة السويداء ذكر في تصريح لموقع قناة "الجديد" ان عدد الضحايا بلغ 216 شهيداً، بالإضافة إلى 154 جريحاً يتلقون العلاج في الوقت الحالي بعد تخريج العشرات ممن كانت إصاباتهم طفيفة.
يذكر أن هذه الأرقام ليست نهائية بسبب وجود بعض الحالات الحرجة، بالإضافة إلى اكتشاف
شهداء جدد خلال عمليات تمشيط القرى ومحيطها، حيث عثر على سيدتين إحداهما فارقت الحياة بطلق ناري وأخرى فارقت الحياة بسبب التعب والارهاق خلال محاولتهما الهرب قرب قرية الشبكي، بالإضافة إلى وجود مفقودين رجحت المصادر أن يكونوا قد خطفوا من قبل مسلحي التنظيم.
وتعمل في الوقت الحالي قوات من
الجيش السوري واللجان الشعبية عمليات تمشيط لمحيط القرى في حين تقوم طائرات حربية بتنفيذ ضربات لمواقع للمسلحين في عمق البادية وفق ما أكدت مصادر ميدانية.