يشكّل القمح مورداً مالياً ووسيلة للسيطرة على السكان، وبات وضع اليد عليه محورياً في استراتيجية تنظيم "
الدولة الإسلامية" لتثبيت نفوذه، بعد أن استقرّ في المناطق الأساسية لإنتاجه في
سوريا والعراق.
ففي هجوم تنظيم "الدولة الإسلامية" الكاسح شمالي
العراق في حزيران، سيطر مقاتلوه على مخزون القمح في محافظتي نينوى وصلاح الدين، اللتين تنتجان أكثر من ثلث إنتاج القمح و40 بالمئة من إنتاج الشعير في البلاد.
وتشمل منطقة سيطرة التنظيم المتطرّف إهراءات الحبوب في المنطقة، أي شمال العراق وشمال شرق سوريا، بحسب الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية "الفرنسي" وكاتب "الجغرافية السياسية للقمح" سيباستيان أبيس.
واستولى التنظيم على أكثر من مليون طن من القمح، أي "خمس الاستهلاك السنوي في العراق"، بحسب "جان شارل بريزار" الخبير في تمويل الإرهاب.
وفي سوريا سيطر التنظيم على 30 بالمئة من إنتاج القمح في منطقتي الرقة ودير الزور الخاضعتين لهما، بحسب الخبير.
كما أنّهم يسيطرون على 75 بالمئة من إنتاج القطن الذي كانت سوريا من كبار مصدريه قبل اندلاع الحرب.
وكما الحال في أنحاء
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشكّل الخبز أساس التغذية في العراق وسوريا اللذين يستوردان القمح بالإضافة إلى إنتاجهما المحلي.
ولم يفوّت المتطرّفون الفرصة، فمن جهة "نقلوا الكثير من قمح العراق إلى سوريا لصنع الطحين وبيعه"، ومن جهة أخرى، أقدموا على بيعه إلى خارج منطقة سيطرتهم كما فعلوا بالنفط، وعلى الأخص "عبر الحدود
التركية"، بحسب بريزار.
وأضاف الخبير أنّ ذلك أمن لهم أرباحاً توازي نحو 200 مليون
دولار سنوياً، ولو أن الكميات تبقى ضئيلة مقارنة بالتبادلات العالمية لهذا النوع من الحبوب الأكثر زراعة حول
العالم.
كما يتيح القمح كسب رضا السكان، حيث بادر التنظيم المتطرّف إلى توزيع الخبز مجانا أو بأسعار متدنية جدا في المناطق التي سيطر عليها.
لكن بعد فترة بدأت الحرب تشكّل "خطراً كبيراً على الأمن الغذائي في المنطقة"، بحسب أبيس، الذي أضاف "أنّ الإنتاج بدأ يتراجع بالرغم من تعذر تحديد الأرقام"، سواء في سوريا أو العراق.
وذكر الباحث أنّ الحروب تدمر المزروعات وتبعد اليد العاملة اللازمة للعمل في الحقول.
وأشار بريزار بدوره إلى أنّ ضربات التحالف الدولي بقيادة أميركية تعرقل عمليات التخزين والنقل، ولو أنّها تتجنب عن قصد حقول القمح.
وأخيراً، أعلنت
الأمم المتحدة أنّ حوالي 10 ملايين سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، أي تقريباً نصف عدد السكان.
وأوضح آنذاك مسؤول في منظمة الأغذية والزراعة "فاو" أنّ "القطاع الزراعي السوري دمره النزاع، لذلك من الضروري أن تقدّم الجهات المانحة مساعدة طارئة كي يتمكّن المزارعون من العمل في موسم زرع الحبوب المقبل الذي يبدأ في تشرين الأول".
وبالتالي قد تنقلب المسألة الزراعية "على الجهاديين على المدى المتوسط. فماذا سيفعلون إن تضاعف تدهور المحاصيل؟ سأل الباحث أبيس.
ففيما ينعم التنظيم حالياً "باستقلالية" على مستوى مخزون القمح، "لن تكفي سيطرته على الموارد الطبيعية لضمان استمراريته" على ما توقع الخبير في تمويل الإرهاب بريزار.