رزان شرف الدين
عرف العالم مؤخراً نشوء منظمة الدفاع المدني السوري، أو ما يُعرف بأصحاب "الخوذ البيضاء"، بعدما أخذت صورهم تتصدّر وسائل الإعلام العربية والعالمية وهم يبحثون عن عالقين تحت الأنقاض ويقومون بانتشال الجثث وإسعاف المدنيين، وذاع صيت المجموعة بعدما انتشرت صور إنقاذ الطفل عمران دنقيش، والتي أثارت أيضاً جدلاً وردود أفعال بين مؤيد ومعارض لعناصر المنظمة التي يتهمّها البعض بالانتماء للمجموعات المسلّحة.
في فيلم وثائقي وصف بأنه "شديد الإنسانية" ونفذ بتقنية إخراجية عالية، بعنوان The White Helmets (مدته 38 دقيقة) عرضته شبكة Netflix الأميركية تؤكد المنظمة أنها غير تابعة لأي جهة سياسية وانها تعمل بحيادية وإنسانية ومن دون تمييز.
عمل المنظمة أثار جدلاً محلياً وعالمياً أيضاً لا سيما وأنها لا تخفي معارضتها للنظام الذي يتهمها بالتعامل مع المسلحين. وقد سبق أن وصفه الرئيس السوري بشار الأسد أصحاب الخوذ البيض بأنهم "قناع للنصرة في حلب، وينفذّون أجندات معينة". وفي مقابلته الأخيرة مع التلفزيون السويسري قال إنّ صورة الطفل عمران مفبركة وغير حقيقية وجرى التلاعب بها كجزء من الدعاية الغربية لـ "الخوذ البيضاء".
وفي حديث مع موقع "الجديد"، يؤكد بيبرس مشعل، رئيس مركز باب النيرب التابع للدفاع المدني السوري، أن عملهم كمتطوعين "مستمر على مدار الساعة لانقاذ المدنيين من براميل النظام فقط والغارات الجوية"، نافياً تعرّض الفصائل المعارضة للمدننين "فالفصائل الثورية تقاتل النظام من أجل حرية المدنيين، وهي ليست مجرمة كما يفعل النظام".
كلام مشعل وإن دلّ على شيء فإنه يدلّ على انحياز المنظمة بشكل علني لفصائل المعارضة. وكما هو معروف في الحروب ان هناك جهات متقاتلة كل منها تستخدم ما لديها من أسلحة هجوم ودفاع، وبالتالي ما يمكن اعتباره قتلا للأبرياء في منطقة معارضة يمكن اعتباره كذلك أيضاً في مناطق موالية للنظام.
فكيف إذاً تستقيم الحيادية في العمل الإنساني في ظلّ سيطرة أجواء التبعية السياسية؟
الدفاع المدني السوري الذي يتحدث عنه مشعل من المفترض ان يلعب نفس الدور الذي تقوم به المنظمات الانسانية الأخرى كالصليب الاحمر الذي يعمل بين الأطراف المتقاتلة في أماكن النزاعات والحروب ويمثّل وسيطاً إنسانياً يعمل مع الاطراف كافة لمساعدتهم من دون استثناء.
عناصر "الخوذ البيضاء" موزعون على 4 مراكز في "حلب المحررة"، على حد تعبيره، أي أماكن سيطرة الفصائل المعارضة للنظام، وعن سبب عدم تواجدهم في أماكن سيطرة قوات النظام يجيب مشعل أنّ "السبب الرئيس هو كون أغلب الناشطين في المجموعة كانوا من الناشطين السلميين في بداية الثورة، والدفاع المدني وُلد من رحم الثورة، وكل المتطوعين حالياً مصنفون كعناصر تابعة للقاعدة ولجبهة النُصرة من قبل بشار الأسد، مع العلم ان عملنا فقط انساني موجه لإنقاذ الناس ومساعدتهم، واتهامات بشار الأسد عارية من الصحة تماماً".
وعن كلام الرئيس السوري عن صورة الطفل عمران يلفت مشعل إلى أنه كان متواجداً أثناء عملية إنقاذه في حي القاطرجي عندما تعرّض لصواريخ النظام، مضيفاً "لبشار الأسد نقول أن أكثر من 180 منظمة رشّحت القبعات البيض لجائزة نوبل، فهل جميع دول العالم على خطأ والأسد هو المحق؟".
المتطوعون وجميعهم من السوريين جرى تدريبهم في تركيا تحت إشراف أفضل المدربين، كما يقول مشعل، لم يصدف لأحدهم أن قام بإنقاذ أحد مناصري النظام أو جنود تابعة له، إذ أنّ حلب بأغلبية أهلها لا تؤيد النظام الحالي، على حد قوله.
الحديث عن دور هذه المنظمة التي بدأت العمل فعلياً في العام 2013، أخذ يبرز أكثر مع مطلع العام الحالي، لا سيما بعدما كُثفت حملات الدعم لهؤلاء المتطوعين معنوياً ومادياً، إلى حد ترشيحهم لنيل جائزة "نوبل للسلام"، التي لم يفوزوا بها إلا أنهم حصلوا على إشادة عالمية بتضحياتهم.
وفي نهاية المطاف ولأن البحث عن مشروعية تلك المنظمة من عدمها ومصادر تمويلها وتجهيزها وتدريبها وظروف نشأتها يتطلب الغوص في سبب تكوين مثل هذه المجموعات في زمان ومكان شهد نشوء ظواهر جديدة لم يسبق له أن تعامل معها، لا بدّ من تسليط الضوء على العمل الإنساني الذي يقوم به هؤلاء العناصر، بغض النظر عن أهدافهم وانتماءاتهم، من إنقاذ لحياة الآخرين، فيما يبقى الأساس ما يطلبه السوريون من أمن وأمان بعيداً عن تأويلات وحسابات سياسية "لا تسمن ولا تغني من جوع".