مقدمة النشرة المسائية 26-10-2022
البحرُ من ورائِكم والعدوُ أمامَكم في الناقورة والطرفان اللبناني والإسرائيلي يتسلّلان إلى التاريخِ غداً كلٌ على ورقة فالسابعُ والعشرون من تِشرين الأول سيُكتَبُ على صفحاتِ غدِه أنّ لبنان وعدوَّه الأول إسرائيل وقّعا أولَ اتفاقٍ من نوعِه في تاريخِ الصراع وجبهاتِ المقاومة التي ستُشكِّلُ ضمانةَ هذا الاتفاق فمنذُ اتفاقِ السابع عشَر من أيار الذي رفضَهُ مجلسُ النوابِ اللباني في صيفِ عامِ ثلاثةٍ وثمانين لم تُمرَّر ورقةٌ واحدة تُلزِمُ لبنان بالتفاهماتِ معَ عدوِه، ما خلا تفاهمَ نَيسان عامَ ستةٍ وتسعين، والذي أَخمدَ عناقيدَ الغضبِ الإسرائيلية وحَفَظَ للمقاومة خطَّها الناري وأقربُ إلى هذا التفاهم لكنْ من دونِ جبهاتٍ مفتوحة، يوقّعُ لبنان غداً على اتفاقِ ترسيمِ حدودِه البحرية معَ إسرائيل لكنه يُبقي على نِقاطِ البرّ خطوطاً منفصلة لا يَشمَلُها التفاهمُ التاريخي وشاهداً على هذا العصر يُطِلُّ الليلة الوسيطُ الأميركي آموس هوكستين إلى بيروت، وأولُ لقاءاتِه سيكونُ معَ نائبِ رئيسِ مجلسِ النواب الياس بوصعب لوضعِ الترتيباتِ العملية على يومِ الناقورة شِبْهِ الصامت، والذي تَغيبُ عنه مظاهرُ الاحتفال فالغد ليسَ "وادي عربة" أو كامب ديفيد، ولن يكونَ على صورةِ اتفاقياتِ إبراهام بل ينحصرُ في حِصّةِ لبنان من الثروةِ البحريةِ الواقعة على حدودٍ هي فِلَسطينيةُ الأصلِ والهُوية ولأنّ لبنان لا يَنظُر إلى هذا التوقيع من عيونِ السلامِ والتطبيع، فهو يتريّثُ في اختيارِ وفدِه إلى الناقورة غداً وقد طَلبَ رئيسُ الجمهورية إمهالَه ساعاتٍ إضافية لتشكيلِ الوفد والمرجّح أن تمثِّلَ فيه الدولةَ اللبنانية المديرةُ العامة للنِفط أورور فغالي لكنّ هذا الاسم يُحسَمُ الليلة في اجتماعاتٍ أميركيةٍ لبنانية تُرسّمُ الحدودَ اللوجستية والإخراجَ الفني ليومِ الناقورة وعلى مَرمى التوقيع احتَفلت شركةُ إنرجين المطوّرة لحقلِ كاريش ببَدْءِ إنتاجِ أُولى كمياتِ الغاز من البئرِ الثانية من حقلِ كاريش الرئيسي وتوقّعت بَدْءَ بيعِ الغاز المنتَج خلالَ اليومين المقبلين فيما وقّع كلٌ من الرئيسين عون وميقاتي على طلبٍ لوِزارةِ الطاقة يَقضي بالموافقة على تنازلِ شركة توتال لبنان عن حِصّتِها من الكونسورتيوم في اتفاقيةِ الاستكشاف والإنتاجِ العائدِ إلى الرُقعة رقْم9 في المياهِ البحرية والبالغةِ أربعينَ في المئة، إلى الشركة المؤهّلة داجا 215 المملوكةِ من شركة توتال الفرنسية وبهذا المسار يُنهي لبنان تفاوضاً معَ إسرائيل عبْرَ الوَساطةِ الأميركية، بدأهُ منذُ عَشْر سنوات لكنّه في المقابل أرادَ إنهاءَ الترسيمِ البحري معَ الدولةِ السورية في عشْرِ ساعات غيرَ أنّ دمشق أَبلغتِ اللبناني العبارةَ الشهيرة "ما هكذا تُورَدُ الإبِلُ"، ورَحّلتِ الوفدَ والتفاوض إلى العهدِ القادم إذا كانَ هناكَ من عهود وبالكسلِ الدبلوماسي نفسِه تعاملتِ الدولةُ اللبنانية معَ مِلفِ النازحين والذي بدأَ اليوم يَشُقُّ طريقَه إلى خطِّ العبور نحوَ سوريا، لكنْ بأعدادٍ محدودة فلبنان الرسمي أَهملَ العودة عشْرَ سنوات وأَطلقَ النفيرَ في الربعِ ساعة الأخير وهو سبقَ أن تَرَكَ المديريةَ العامة للأمنِ العام تتولّى المُهمة وحدَها قبلَ سنوات، ولم يَشأْ أيٌ من المسؤولين المشاركةَ في هذا العمل الذي يُزيلُ الأعباءَ عن البلد وذلكَ على الرَغمِ من تسلُّمِ الوزير جبران باسيل مَنصِبَ وِزارةِ الخارجية في حكومتين متتاليتين لقد فاوضنا الإسرائيلي عبْرَ الأميركي، ودخلَ الفرنسي "بتوتالِه" على الخطّ الساخن وراسلنا الأممَ المتحدة ولم نَطرُقِ البابِ السوري لحسْمِ مِلفّي الترسيم وعودةِ النازحين إلى أن تذكّرَ العهدُ أن يَفعلَها في آخِرِ أيامِه وعلى الطريقةِ عينِها يُروِّجُ "عهداويون" لنبأِ تشكيلِ الحكومة في آخِرِ أنفاسِ الولايةِ الرئاسية لكنْ كلُ المعلومات تؤكّدُ انسدادَ الأبواب في التأليف، وأنّ الرئيس نجيب ميقاتي ألقى النظرةَ الأخيرة على رئيسِ الجُمهورية بالأمس ودليلُ انقطاعِ الأملِ الحكومي هو العهدُ نفسُه ففيما كان يؤكّدُ الرئيس ميشال عون رفضَهُ أن يَختارَ أحدٌ للتيارِ وزراءَه جاءَه التكذيبُ من جُبرانِه ووليِّ أمرِه، والذي جَزَمَ بأنه أصلاً لن يُشارِكَ في الحكومة ولن يَمنحَها الثقة.