قبل ألفٍ ومئةِ عام تنبّأ أبو الطيب بعيدٍ لم يَتركْ فيه الدهرُ شيئاً "تُتَيِّمُهُ عَينٌ ولا جِيدُ".. لكنَ المتنبي لم يعاصرْ زَمناً صار فيه العيدُ صخرةً لا تُحرِّكُها الأغاريدُ غابَ صاحبُ القصيدةِ الشهيرة معَ اندثارِ الدولةِ العباسية.. ولو عادَ لأصدَرَ مُعلقاتٍ في دولةِ الخلافةِ الإسلامية التي احتلّت وطنَه العراق وانتَزعتْ إسمَ بغداد لطِلاءِ أبو بكر البغدادي.. الذي أصدرَ آخِرَ فتاويه الدموية وأَمَرَ بإجتزاءِ مشاهدِ الذبحِ واقتصارِها على البدايةِ والنهاية فقط.. وذلكَ مُراعاةً لمشاعرِ المسلمينَ والأطفال . إنسانيٌ هذا البغدادي.. فالذبحُ حلالٌ وعَرْضُ مَشاهدِه كاملةً حرام.. وهو يُشرِّعُ حدَّ السيفِ على الرقاب.. لكنّه يتلاعبُ بصُورِها . هذا هو سيدُ العيدِ في المِنطقة
العربية.. هذا هو العيدُ في العراق حيثُ بلادُ التاريخِ مُقسَّمةٌ سُنةً وشيعةً وكُرداً.. ومنهوبةُ المقدّرات.. وحدودٌ مقفلةٌ إلا على دولة داعش وعيدُ
سوريا يَنزِلُ عليها إرهاباً وقتلاً.. تفجيراتٌ على الأرضِ وبراميلُ من السماء ونزوحٌ بأربعةِ ملايينِ سوريٍ خارجَ بلادِهم.. والبقيةُ نازحونَ في وطنِهم أما الأحبّةُ في ليبيا فالبَيداءُ دونَهم.. حُكّامُها كُثُرٌ.. سُلطتانِ ومجلسا نواب.. لكنَ التنظيماتِ الإرهابية تتحكُمُ في مَفاصلِها وأمنِها وتُفجِّرُ منابِعَ نِفطِها تونس غادرت أخضرَها وياسَمينَها بعد ما ضَربها من إرهاب.. خلاياها بالآلاف.. وقد أصبحت مستيقظةً لتتناغمَ وخلايا المغربِ النائمة في الجزائر نُذورُ حربٍ طائفيةٍ في وطنٍ أدماه الإرهابُ سابقاً الأردن تعيشُ على تُخومِ الصراعِ الدائم والحربِ الصامتة بين الأصوليين والقاعدة والسلطة
السعودية ذاقت مِن مُرِّها بتفجيراتٍ من صُنعِ أبنائها وقد صَدّروا منه نموذجاً إلى الكويت دمارُ اليمن بات يُنافِسُ تدميرَ سوريا ونامتْ نواطيرُ مِصرَ عن ثَعالبِها ودخلَ الإرهابُ على جيشِها وسيناها.. ووَضعوا جمهوريةَ التسعينَ مِليوناً أمامَ حربٍ لمنعِ داعش من إعلانِ إمارتِها على حدودِ صديقتِها
إسرائيل فلسطينُ هنا غابتْ كقضيةٍ أُمّ.. وما عادتْ قِبلةَ العرب علماً أنْ لا شيءَ تغيّر.. فالأرضُ لاتزالُ محتلة.. والعدوُ يدمِّرُ مساجدَها وكنائسَها.. ويعتقلُ ناسَها ومسوؤليها.. ويُخزِّنُ في غزة حُزناً لكلِ الأعياد . لا مكانَ في
الدول العربية لعيدٍ بالوِشاحِ الأسود.. يُوزِّعُ أَساهُ مِنَ الأرضِ الغنية إلى مِساحاتِ الجوعِ في الصومال.. حيث ضَرَباتُ حركةِ الشبابِ الإسلاميّ لا تستثني أحداً فإذا كانت خلافاتُ السعودية وإيران قد أَرستْ هذه النتائج.. فهل تسويةُ الصراعِ بين الدولتين النافذتين سيُغيِّرُ مَعالمَ العيدِ في العامِ المقبل؟ بوادرُ بعيدةٌ بدأت تَلوحُ في الأُفق.. أولُها الاتفاقُ على تحريرِ عدن بغِطاءٍ أميركي.. وإعطاءُ الأولويةِ أميركياً وإيرانياً وسعودياً لحلٍ في اليمن على ما عداهُ من قضايا بعد الاتفاقِ النووي . وباستعراضِ
العيد في دولٍ هَجَرتها الأعياد.. فإن
لبنان يُصنَّفُ في آخرِ المآسي.. وجُرحُهُ ما بَرِحَ يَنزِفُ من جُردِه.. حيث احتجازُ عسكرييه لدى مجموعاتٍ تحيا على سَنِّ السكين موجةُ تفاؤلٍ هبّت على مِلفٍ سيَبلُغُ عمرُه عاماً كاملاً الشهرَ المقبل.. لكنَ المؤكد أنّ النصرة لا تُوزِّعُ الهدايا مجاناً في الأعياد.. وهي تنتظرُ عودةَ الموفدِ القطري لوَزنِ حقائبِ المال كثمنٍ للإفراجِ عن العسكريين.. وفي الانتظار فإنّ الأهلَ أَعدُّوا لإبنائهم حُلوَ العيد للقائِهم غداً.. بأملِ أن يتحولَ العسكريون إلى عيدٍ إسمُه الحرية.